{ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت } : أي وإذا ذكر الله وحده كقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا إله إلا الله نفرت نفوس المشركين وانقبضت وظهر الغضب والسخط في وجوههم " .
{ وإذا ذكر الذين من دونه } : أي الأصنام والأوثان التي يعبدونها من دون الله تعالى .
{ إذا هم يستبشرون } : أي فرحون جذلون وذلك لافتنانهم بها ونسيانهم لحق الله تعالى وهو عبادته وحده مقابل خلقه ورزقه لهم .
وقوله تعالى : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } هذا كشف عن حال المشركين ، وما هم عليه من الجهل والسفه إنهم إذا سمعوا لا إله إلا الله ينفرون وينقبضون ويظهر ذلك غضباً في وجوههم ، يكادون يسطون على من قال لا إله إلا الله ، وإذا ذكر الذين من دونه أي وإذا ذكر الأصنام التي يعبدونها من دون الله إذا هم يستبشرون فرحون مسرورون ، وهذا عائد إلى افتتانهم بأصنامهم ، ونسيانهم لحقوق ربهم عليهم وهي الإِيمان به وعبادته وحده مقابل ما خلقهم ورزقهم ودبر حياتهم ، ولكن أنى لأهل ظلمة النفس وانتكاس القلب أن يعوا ويفهموا ؟ .
- بيان سفه المشركين وضلالهم في غضبهم عند سماع التوحيد ، وفرحهم عند سماع الشرك .
{ 45 - 46 } { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }
يذكر تعالى حالة المشركين ، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم { إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ } توحيدا له ، وأمر بإخلاص الدين له ، وترك ما يعبد من دونه ، أنهم يشمئزون وينفرون ، ويكرهون ذلك أشد الكراهة .
{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد ، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها ، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } بذلك ، فرحا بذكر معبوداتهم ، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم ، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها ، ولكن موعدهم يوم الجزاء . فهناك يؤخذ الحق منهم ، وينظر : هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا ؟ .
قوله تعالى : " وإذا ذكر الله وحده " نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه ، وعلى الحال عند يونس . " اشمأزت " قال المبرد : انقبضت . وهو قول ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : نفرت واستكبرت وكفرت وتعصت . وقال المؤرج : أنكرت . وأصل الاشمئزاز النفور والازورار . قال عمرو بن كلثوم :
إذا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ *** وولَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا{[13319]}
وقال أبو زيد : اشمأز الرجل ذعر من الفزع وهو المذعور . وكان المشركون إذا قيل لهم " لا إله إلا الله " نفروا وكفروا . " وإذا ذكر الذين من دونه " يعني الأوثان حين ألقى الشيطان في أمنية النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءته سورة " النجم " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم ترتجى{[13320]} . قاله جماعة المفسرين . " إذا هم يستبشرون " أي يظهر في وجوههم البشر والسرور .
ولما دل على أن شفعاءهم ليست بأهل للشفاعة ، وعلى أن الأمر كله مقصور عليه ، وختم بأنه لا بد من الرجوع إليه المقتضي لأن تصرف الهمم كلها نحوه ، وتوجه العزائم جميعها تلقاءه ، ولأنه لا يخشى سواه ولا يرجى غيره ، ذكر حالاً من أحوالهم فقال : { وإذا } أي الحال ما ذكرناه وإذا { ذكر } وأعاد الاسم الأعظم ولم يضمره تعظيماً لأمره زيادة في تقبيح حالهم فقال : { الله } أي الذي لا عظيم غيره ولا أمر لسواه { وحده } أي دون شفعائهم التي قد وضح أنه لا شفاعة لهم : { اشمأزّت } أي نفرت كراهية وذعراً واستكباراً مع تمعر الوجه وتقبضه قلوبهم - هكذا كان الأصل ، ولكنه قال : { قلوب الذين لا يؤمنون } أي لا يجددون إيماناً { بالآخرة } بياناً لأن الحامل لهم على ذلك إضاعة اعتقاد ما ختم به الآية من الرجوع إليه الذي أتمه وأظهره رجوع الآخرة { وإذا ذكر الذين } وبكت بهم في رضاهم بالأدنى فقال : { من دونه } أي الأوثان ، وأكد فرط جهلهم في اتباعهم الباطل وجمودهم عليه دون تلبث لنظر في دليل ، أو سماع لقال أو قيل ، بقوله : { إذا هم } أي بضمائرهم المفيضة على ظواهرهم { يستبشرون * } أي فاجؤوا طلب البشر وإيقاعه وتجديده على سبيل الثبات في ذلك كله سواء ذكر معهم الله أو لا ، فالاستبشار حينئذ إنما هو بالانداد ، والاشمئزاز والاستبشار متقابلان لأن الاشمئزاز : امتلاء القلب غماً وغيظاً فيظهر أثره ، وهو الانقباض في أديم الوجه ، والاستبشار : امتلاء القلب سروراً حتى يظهر أثره ، وهو الانبساط والتهلل في الوجه - قال الزمخشري ، والعمل في " إذا " الأولى هو العامل في الفجائية ، أي فاجؤوا الاستبشار وقت هذا الذكر ، وعبر بالفعل أولاً وبالاسمية ثانياً ، ليفيد ذمهم على مطلق الاشمئزاز ولو كان على أدنى الأحوال ، وعلى ثبات الاستبشار تقبيحاً لمطلق الكفر ، ثم الثبات عليه فتحاً لباب التوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.