التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عبس

مكية وآياتها 42 نزلت بعد النجم

سبب نزول صدر هذه السورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إسلام قريش وكان يدعو أشرافهم إلى الله تعالى ليسلموا فيسلم بإسلامهم غيرهم فبينما هو مع رجل من عظمائهم ، قيل : هو الوليد بن المغيرة ، وقيل : عتبة بن ربيعة وقيل : أمية بن خلف ، وقال ابن عباس : كانوا جماعة إذ أقبل عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، وكرر ذلك وهو لا يعلم عنه بتشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع الأعمى كلامه فعبس وأعرض عنه وذهب الرجل الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم بعد ذلك يقول : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه وقد استخلفه على المدينة مرتين " .

{ عبس وتولى } أي : عبس في وجه الأعمى وأعرض عنه قال ابن عطية : في مخاطبته بلفظ الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض وقال الزمخشري في الإخبار بالغيبة زيادة في الإنكار ، وقال غيرهما : هو إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم وتنزيه له عن المخاطبة بالعتاب وهذا أحسن .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وعدد آياتها ثنتان وأربعون . وهي يكشف عن عظيم مضمونها وروعة مدلولها تسميتها بهذا الإسم ، ليتبين من ذلك أنه ما ينبغي لمسلم أن يعبس في وجه أخيه بسبب فقره أو ذله أو هوان حاله . وإنما يراعي فيه إيمانه وآدميته وصلوحه . وعلى هذا فإن السورة هنا مبدوءة بقصة ابن أم مكتوم الأعمى . هذا الذي عبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه لما جاءه يسترشده ويستهديه ، وهو مشغول بالحديث إلى صناديد قريش المشركين رغبة في إسلامهم . لكن الله جل وعلا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا شديدا لعبوسه في وجه المؤمن المستضعف الأعمى . فما كان بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشغل عن إرشاد مؤمن كريم على الله ، فيتهلى عنه بمخاطبة المشركين . وفي ذلك بيان ظاهر ساطع للناس طيلة الزمن أن الإسلام لا يحابي أحدا لعلو جاهه أو سيادته أو غناه . لا يعبأ الإسلام باعتبارات الناس وموازينهم الخاطئة ومن جملتها تكريم الناس بالنظر إلى منازلهم الاجتماعية من المال أو الجاه أو الزعامة والرياسة . لا يعبأ الإسلام بشيء من ذلك البتة . إنما يراعي الإسلام مقادير الناس تبعا لتقواهم { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ويضاف إلى هذه الحقيقة ظاهرة العلم . لا جرم أن العلم والتقوى معا ، هما ميزان الإسلام الذي تعرف به مقادير الناس واعتباراتهم ، سواء كانوا من العظماء أو الأغنياء أو الفقراء أو الأراذل ، رجالا أو نساء .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ عبس وتولى 1 أن جاءه الأعمى 2 وما يدريك لعله يزّكّى 3 أو يذّكّر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدى 6 وما عليك ألا يزّكّى 7 وأما من جاءك يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهّى 10 كلا إنها تذكرة 11 فمن شاء ذكره 12 في صحف مكرمة 13 مرفوعة مطهرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة } .

وسبب نزول هذه الآيات هو ابن أم مكتوم الأعمى . فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبيّا بن خلف وأمية ابن خلف ، ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم . فقام ابن أم مكتوم وقال : يا رسول الله علّمني مما علمك الله . وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه . وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد . فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه . وإذا رآه يقول : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " {[4757]} .

قوله : { عبس وتولى } عبس ، أي كلح بوجهه أو قبضه تكرّها . من العبوس والتعبس وهو التجهم . ويوم عبوس أي شديد {[4758]} { وتولى } أي أعرض .


[4757]:أسباب النزول للنيسابوري ص 297.
[4758]:مختار الصحاح ص 409.