التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

{ لا يسمعون إلى الملأ الأعلى } الضمير في يسمعون للشياطين والملأ الأعلى هم الملائكة الذين يسكنون في السماء والمعنى أن الشياطين منعت من سماع أحاديث الملائكة وقرئ يسمعون بتشديد السين والميم ووزنه يتفعلون والسمع طلب السماع فنفى السماع على القراءة الأولى ونفي طلبه على القراءة بالتشديد والأول أرجح لقوله : { إنهم عن السمع لمعزولون } [ الشعراء :212 ] ولأن ظاهر الأحاديث أنهم يستمعون لكنهم لا يسمعون شيئا منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يرمون بالكواكب .

{ ويقذفون } أي : يرجمون يعني بالكواكب وهي التي يراها الناس تنقص ، قال النقاش ومكي : ليست الكواكب الراجمة للشياطين بالكواكب الجارية في السماء لأن تلك لا ترى حركتها وهذه الراجمة ترى حركتها لقربها منا قال ابن عطية : وفي هذا نظر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ} (8)

ولما كان المراد في سورتي النساء والحج ذم الكفرة بفعل ما ليس في كونه شراً لبس ، وبوضع النفس باتباع ما لا شك في دناءته ببعده عن الخير بعد الإخفاء به ، عبر بالمريد للمبالغة ، وكما أنه حرس السماء المحسوسة بما ذكره سبحانه وتعالى فكذلك زين عز وجل قلوب الأولياء التي هي كالسماء لأراضي أجسامهم بنجوم المعارف ، فإذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فرشقته شهب أحوالهم ومعارفهم وأقوالهم . ولما تشوف السامع إلى معرفة هذا الحفظ وثمرته وبيان كيفيته ، استأنف قولاً : { لا يسمعون } أي الشياطين المفهومون من كل شيطان ، لا يتجدد لهم سمع أصلاً ، قال ابن الجوزي : قال الفراء : { لا } هنا كقوله " كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به " ويصلح في { لا } على هذا المعنى الجزم ، والعرب تقول : ربطت في شيء لا ينفلت - انتهى . ويؤخذ من التسوير بكل ثم الجمع نظراً إلى المعنى ، والإفراد لضمير الخاطف وللخطفة أنهم معزولون عن السمع جمعهم ومفردهم من الجمع ، وأن الخطف يكون - إن اتفق - في الواحد لا الجمع ومن الواحد لا الجمع ، وللكلمة وما حكمها لا أكثر ، وإليه يشير حديث الصحيح " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني " وأكد بعدهم بإثبات حرف الغاية ، فقال مضمناً { سمع } بعد قصره معنى " انتهى " أو " أصغى " ليكون المعنى : لا ينتهي سمعهم أو تسمعهم أو إصغاؤهم { إلى الملإ } أي الجمع العظيم الشريف ، وأوضحت هذا المعنى قراءة من شدد السين والميم بمعنى يتسمعون ، أي بنوع حيلة ، تسمعاً منتهياً إلى ذلك ، وهو يفهم أنهم يتسمعون ، ولكن لا ينتهي تسمعهم إلى ما ذكر ، بما أشار إليه الإدغام ، ويشير أيضاً إلى أنهم يجتهدون في إخفاء أمرهم ، وأفرد الوصف دلالة أيضاً على أن العطف يكون من واحد لا من جمع فقال : { الأعلى } أي مكاناً ومكانة بحيث يملأون العيون بهجة والصدور هيبة .

ولما كان التقدير : لأنهم يطردون طرداً قوياً ، دل عليه بالعاطف في قوله : { ويقذفون } أي الشياطين يرمون رمياً وحياً شديداً يطردون به ، وبني للمفعول لأن النافع قذفهم لا تعيين قاذفهم ، مع أنه أدل على القدرة الإلهية عزت وجلت { من كل جانب * } أي من جوانب السماوات بالشهب إذا قصدوا السماع بالاستراق