تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

يقول الله تعالى : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } أيها الناس ، من يستحق منكم الهداية ومن لا يستحق { إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } بأن يوفقكم لطاعته والإنابة إليه { أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ } [ يا محمد ]{[5]} { عَلَيْهِمْ وَكِيلا } أي : إنما أرسلناك نذيرًا ، فمن أطاعك دخل الجنة ، ومن عصاك دخل النار .


[5]:في د: "تكفروهما".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

وقوله تعالى : { ربكم أعلم بكم } الآية ، هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة ؛ وذلك أن هذه المخاطبة في قوله { ربكم أعلم بكم } هي لكفار مكة بدليل قوله { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار إنه أعلم بهم ، ورجاهم وخوفهم ، ومعنى { يرحمكم } بالتوبة عليكم من الكفر ، قاله ابن جريج وغيره ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإنما عليك البلاغ ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد ، فتتناسب الآيات بهذا التأويل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

هذا الكلام متصل بقوله : { نحن أعلم بما يستمعون به } إلى قوله : { فلا يستطيعون سبيلا } [ الإسراء : 47 ، 48 ] . فإن ذلك ينطوي على ما هو شأن نجواهم من التصميم على العناد والإصرار على الكفر . وذلك يسوء النبي ويحزنه أن لا يهتدوا ، فوُجه هذا الكلام إليه تسلية له . ويدل لذلك تعقيبه بقوله : { وما أرسلناك عليهم وكيلا } .

ومعنى { إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } على هذا الكنايةُ عن مشيئة هديْه إياهم الذي هو سبب الرحمة ، أو مشيئة تركهم وشأنَهم . وهذا أحسن ما تفسر به هذه الآية ويبين موقعها ، وما قيل غيره أراه لا يلتئم .

وأوتي بالمسند إليه بلفظ الرب مضافاً إلى ضمير المؤمنين الشامل للرسول تذكيراً بأن الاصطفاء للخير شأن من معنى الربوبية التي هي تدبير شؤون المربوبين بما يليق بحالهم ، ليكون لإيقاع المسند على المسند إليه بعد ذلك بقوله : { أعلم بكم } وقعٌ بديع ، لأن الذي هو الرب هو الذي يكون أعلم بدخائل النفوس وقابليتها للاصطفاء .

وهذه الجملة بمنزلة المقدمة لما بعدها وهي جملة { إن يشأ يرحمكم } الآية ، أي هو أعلم بما يناسب حال كل أحد من استحقاق الرحمة واستحقاق العذاب .

ومعنى { أعلم بكم } أعلم بحالكم ، لأن الحالة هي المناسبة لتعلق العلم .

فجملة { إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } مبينة للمقصود من جملة { ربكم أعلم بكم } .

والرحمة والتعذيب مكنًى بهما عن الاهتداء والضلال ، بقرينة مقارنته لقوله : { ربكم أعلم بكم } الذي هو كالمقدمة . وسلك سبيل الكناية بهما لإفادة فائدتين : صريحهما وكنايتهما ، ولإظهار أنه لا يسأل عما يَفعل ، لأنه أعلم بما يليق بأحوال مخلوقاته . فلما ناط الرحمة بأسبابها والعذابَ بأسبابه ، بحكمته وعدله ، عُلم أن معنى مشيئته الرحمة أو التعذيب هو مشيئة إيجاد أسبابهما ، وفعل الشرط محذوف . والتقدير : إن يشأ رحمتَكم يرحمْكم أو إن يشأ تعذيبَكم يعذبْكم ، على حكم حذف مفعول فعل المشيئة في الاستعمال .

وجيء بالعطف بحرف ( أو ) الدالة على أحد الشيئين لأن الرحمة والتعذيب لا يجتمعان ف ( أو ) للتقسيم .

وذكر شرط المشيئة هنا فائدته التعليم بأنه تعالى لا مكره له ، فجمعت الآية الإشارة إلى صفة العلم والحكمة وإلى صفة الإرادة والاختيار .

وإعادةُ شرط المشيئة في الجملة المعطوفة لتأكيد تسلط المشيئة على الحالتين .

وجملة { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } زيادة لبيان أن الهداية والضلال من جعل الله تعالى ، وأن النبي غير مسؤول عن استمرار من استمر في الضلالة . إزالة للحرج عنه فيما يجده من عدم اهتداء من يدعوهم ، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان وإنما أرسلناك داعياً .

والوكيل على الشيء : هو المسؤول به . والمعنى : أرسلناك نذيراً وداعياً لهم وما أرسلناك عليهم وكيلاً ، فيفيد معنى القصر لأن كونه داعياً ونذيراً معلوم بالمُشاهدة فإذا نفي عنه أن يكون وكيلاً وملجئاً آل إلى معنى : ما أنت إلا نذير .

وضمير { عليهم } عائد إلى المشركين ، كما عادت إليهم ضمائر { على قلوبهم } [ الإسراء : 46 ] وما بعده من الضمائر اللائقة بهم .

وعليهم } متعلق ب { وكيلا } . وقدم على متعلقه للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .