تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ} (7)

ثم قال : { فَمَا يُكَذِّبُكَ } يعني : يا ابن آدم { بَعْدُ بِالدِّينِ } ؟ أي : بالجزاء في المعاد وقد علمت البدأة ، وعرفت أن من قدر على البدأة ، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى ، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن منصور قال : قلت لمجاهد : { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ } عنى به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مَعَاذ الله ! عنى به الإنسان . وهكذا قال عكرمة وغيره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ} (7)

واختلف في المخاطب بقوله تعالى : { فما يكذبك بعد بالدين } فقال قتادة والفراء والأخفش : هو محمد عليه السلام ، قال الله له : فماذا الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث - وهو الدين - بعد هذه العبر التي ويجب النظر فيها صحة ما قلت ، ويحتمل أن يكون «الدين » على هذا التأويل جميع دينه وشرعه . وقال جمهور من المتأولين : المخاطب الإنسان الكافر ، أي ما الذي يجعلك كذاباً بالدين ، تجعل له أنداداً ، وتزعم أن لا بعث بعد هذه الدلائل ؟ وقال منصور : قلت لمجاهد : قوله تعالى : { فما يكذبك } يريد به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال معاذ : اللهن يعني به الشاك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ} (7)

تفريع على جميع ما ذكر من تقويم خلق الإنسان ثم رده أسفل سافلين ، لأن ما بعد الفاء من الكلام مسبّب عن البيان الذي قبل الفاء ، أي فقد بان لك أن غير الذين آمنوا هم الذين رُدُّوا إلى أسفل سافلين ، فمن يكذب منهم بالدين الحق بعد هذا البيان .

و ( مَا ) يَجوز أن تكون استفهامية ، والاستفهام توبيخي ، والخطاب للإِنسان المذكور في قوله : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] فإنه بعد أن استثني منه الذين آمنوا بقي الإِنسان المكذب .

وضمير الخطاب التفات ، ومقتضى الظاهر أن يقال : فما يكذبه . ونكتة الالتفات هنا أنه أصرح في مواجهة الإِنسان المكذب بالتوبيخ .

ومعنى { يكذبك } يَجعلك مُكذباً ، أي لا عذر لك في تكذيبك بالدين .

ومتعلق التكذيب : إمَّا محذوف لظهوره ، أي يجعلك مكذّباً بالرسول صلى الله عليه وسلم وأمّا المجرور بالباء ، أي يجعلك مكذباً بدين الإِسلام ، أو مكذباً بالجزاء إن حمل الدين على معنى الجزاء وجملة : { أليس الله بأحكم الحاكمين } مستأنفة للتهديد والوعيد .

و { الدين } يجوز أن يكون بمعنى الملة والشريعة ، كقوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وقوله : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً } [ آل عمران : 85 ] .

وعليه تكون الباء للسببية ، أي فمن يكذبك بعد هذا بسبب ما جئتَ به من الدين فالله يحكم فيه . ومعنى { يكذبك } : ينسبك للكذب بسبب ما جئت به من الدين أو ما أنذرت به من الجزاء ، وأسلوب هذا التركيب مؤذن بأنهم لم يكونوا ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكذب قبل أن يجيئهم بهذا الدين .

ويجوز أن يكون « الدين » بمعنى الجزاء في الآخرة كقوله : { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 4 ] وقوله : { يصلونها يوم الدين } [ الانفطار : 15 ] وتكون الباء صلة ( يكذب ) كقوله : { وكذب به قومك وهو الحق } [ الأنعام : 66 ] وقوله : { قل إني على بينة من ربي وكذبتم به } [ الأنعام : 57 ] .

ويجوز أن تكون ( ما ) موصولة وما صدْقُها المكذب ، فهي بمعنى ( مَن ) ، وهي في محل مبتدإ ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والضمير المستتر في { يكذبك } عائد إلى ( مَا ) وهو الرابط للصلة بالموصول ، والباء للسببية ، أي ينسبك إلى الكذب بسبب ما جئت به من الإِسلام أو من إثبات البعث والجزاء .

وحذف ما أضيف إليه { بعدُ } فبنيت بعدُ على الضم والتقدير : بعدَ تبيُّن الحق أو بعد تبيُّن ما ارتضاه لنفسه من أسفل سافلين .