تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

لما فرغ تعالى{[2965]} من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر ، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة ، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها ، أو في نقمة فيصبر عليها ؛ كما جاء في الحديث : " عجبًا للمؤمن . لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له : إن أصابته سراء ، فشكر ، كان خيرًا له ؛ وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له " .

وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة ، كما تقدم في قوله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر صلى{[2966]} . والصبر صبران ، فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات . والثاني أكثر ثوابًا لأنه المقصود . كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس{[2967]} والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله .

وقال علي بن الحسين زين العابدين : إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عُنُق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .

قلت : ويشهد لهذا قوله تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] .

وقال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو مُتَجَلّد لا يرى منه إلا الصبر .


[2965]:في جـ: "لما فرغ تبارك وتعالى".
[2966]:رواه أبو داود في السنن برقم (1319) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
[2967]:في جـ: "وإن تقتل عليه الأنفس" وفي ط: "فإن ثقل على الأنفس".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 153 )

و { يا } حرف نداء و «أيّ » منادى و «ها » تنبيه ، وتجلب «أي » فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفاً ما ، فلو لم تجلب «أي » لاجتمع تعريفان ، وقال قوم : { الصبر } : الصوم ، ومنه قيل لرمضان : شهر الصبر ، وتقدم معنى الاستعانة بالصبر والصلاة( {[1425]} ) ، واختصاره( {[1426]} ) أنهما رادعان عن المعاصي .

وقوله تعالى : { إن الله مع الصابرين } معناه بمعونته وإنجاده ، فهو على حذف مضاف( {[1427]} ) ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : «اهجُهم وروح القدس معك » ، وكما قال : «ارموا وأنا مع بني فلان » ، الحديث( {[1428]} ) .


[1425]:- عند تفسير قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة).
[1426]:- أي اختصار ما تقدم من معنى الاستعانة بالصبر والصلاة.
[1427]:- والتقدير: إن معونة الله مع الصابرين.
[1428]:- أخرجه البخاري، ونص الحديث: «عن سلمة بن الأكوع قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم يتناضلون أي يترامون فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان، قال: فأمسك أحد الفريقين أيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون ؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم» ا. هـ.