محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

/ { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين 153 } .

{ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } أرشد تعالى المؤمنين ، إثر الأمر بالشكر في الآية قبل ، بالاستعانة بالصبر والصلاة . لأن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها . أو في نقمة فيصبر عليها . كما جاء في الحديث{[865]} : ( عجبا للمؤمن لا يقضى له قضاء إلا كان خيرا له . إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له . وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ) . وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب في سبيل الله ، الصبر والصلاة . كما تقدم في قوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } {[866]} وفي الحديث{[867]} : ( أن رسول الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَهُ أمر صلّى ) . ثم إن الصبر صبران : صبر على ترك المحارم والمآثم ، وصبر على فعل الطاعات والقربات . والثاني أكثر ثوابا . لأنه المقصود . وأما الصبر الثالث ، وهو الصبر على المصائب والنوائب ، فذاك أيضا واجب . كالاستغفار من المعائب .

/ وقال الإمام ابن تيمية في كتابه ( السياسة الشرعية ) وأعظم عون لوليّ الأمر خاصة ، ولغيره عامة ثلاثة أمور : أحدها الإخلاص لله ، والتوكل عليه بالدعاء وغيره . وأصل ذلك المحافظة على الصلاة بالقلب والبدن . والثاني الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة . والثالث الصبر على الأذى من الخلق وغيره من النوائب . ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرا كقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } {[868]} وكقوله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل * إن الحسنات يذهبن السيئات* ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } {[869]} وقوله : { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } {[870]} وأما قرانه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدا . فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية . إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة ، يدخل في الصلاة من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه ، وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع : من نصر المظلوم وإعانة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج . وفي الصبر احتمال الأذى وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومخالفة الهوى وترك الشر والبطر . انتهى . { إن الله مع الصابرين } قال الإمام ابن تيمية ( في شرح حديث النزول ) : لفظ المعية في كتاب الله جاء عامّا كما في قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } {[871]} وفي قوله : / { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } {[872]} إلى قوله : { وهو معهم أينما كانوا } وجاء خاصا كما في قوله : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } {[873]} وقوله : { إنني معكما أسمع وأرى } {[874]} وقوله : { لا تحزن إن الله معنا } {[875]} فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص . فإنه قد علم أن قوله : { لا تحزن إن الله معنا } أراد به تخصيص نفسه وأبا بكر دون عدوّهم من الكفار ، وكذلك قوله : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } خصهم بذلك دون الظالمين والفجار . وأيضا ، فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا في شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى / الذاتين بالأخرى . كما في قوله : { محمد رسول الله والذين معه } {[876]} وقوله : { فأولئك مع المؤمنين } {[877]} وقوله : { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } {[878]} وقوله : { وجاهدوا معكم } {[879]} ومثل هذا كثير . فامتنع أن يكون قوله : { وهو معكم } يدل على أن تكون ذاته مختلطة بذوات الخلق . وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر وبيّن أن لفظ المعية في اللغة ، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة ، فهو إذا كان مع العباد ، لم يناف ذلك علوّه على عرشه . ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه . فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان . ويخص بعضهم بالإعانة والنصرة والتأييد . انتهى مختصرا .


[865]:أخرجه مسلم في صحيحه في: 53 ـ كتاب الزهد والرقائق، حديث 64 (طبعتنا). ما نصه: عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له). وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده جزء خامس ص 24 (طبعة الحلبيّ) ما نصه: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيراً له).
[866]:[2/ البقرة/ 45].
[867]:أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بالجزء الخامس بالصفحة 388 (طبعة الحلبيّ) عن حذيفة.
[868]:[2/ البقرة/ 45].
[869]:[11/ هود/ 114و 115].
[870]:[20/ طه/ 130] ونصها: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى 130}.
[871]:[57/ الحديد/ 4] ونصها: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير 4}.
[872]:[58/ المجادلة/ 7] ونصها: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم 7}.
[873]:[16/ النحل/ 128].
[874]:[20/ طه/ 46] ونصها: {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى 46}.
[875]:[9/ التوبة/ 40] ونصها: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم 40}.
[876]:[48/ الفتح/ 29] ونصها: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما 29}.
[877]:[4/ النساء/ 146] ونصها: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما 146}.
[878]:[9/ التوبة/ 119] ونصها: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين 119}.
[879]:[8/ الأنفال/ 75] ونصها: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه إن اللّه بكل شيء عليم 75}.