البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

{ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } ، قيل : سبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا : سيرجع محمد إلى ديننا ، كما رجع إلى قبلتنا .

هزهم بهذا النداء المتضمن هذا الوصف الشريف ، وهو الإيمان مجعولاً فعلاً ماضياً في صلة الذين ، دالاً على الثبوت والالتباس به في تقدّم زمانهم ، ليكونوا أدعى لقبول ما يرد عليهم من الأمر والتكليف الشاق ، لأن الصبر والصلاة هما ركنا الإسلام .

فالصبر قصر النفس على المكاره والتكاليف الشاقة ، وهو أمر قلبي ؛ والصلاة ثمرته ، وهي من أشق التكاليف لتكررها .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، لأنهم سمعوا من طعن الكفار على التوجه إلى الكعبة والصلاة إليها أذى كثيراً ، فأمروا عند ذلك بالاستعانة بالصبر والصلاة .

وقد قيد بعضهم الصبر هنا : بأنه الصبر على أذى الكفار بالطعن على التحول والصلاة إلى الكعبة ، وبعضهم بالصبر على أداء الفرائض .

وروي عن ابن عباس وبعضهم قال : هو كناية عن الصوم ، ومنه قيل لرمضان : شهر الصبر ، وبعضهم قال : هو كناية عن الجهاد لقوله : بعد : { ولا تقولوا لمن يقتل } ، وهو قول أبي مسلم .

والأولى ما قدمناه من عموم اللفظ ، فتندرج هذه الأفراد تحته .

وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس له .

وقد تقدم الكلام على شرح هذه الجملة من قوله : { استعينوا بالصبر والصلاة } .

{ إن الله مع الصابرين } : أي بالمعونة والتأييد ، كما قال : اهجهم ، وروح القدس معك .

وقال تعالى : { لا تحزن إن الله معنا } ، ومن كان الله معه فهو الغالب ، ولما كانت الصلاة ناشئة عن الصبر ، وصار الصبر أصلاً لجميع التكاليف الشاقة قال : { إن الله مع الصابرين } ، فاندرج المصلون تحت الصابرين اندراج الفرع تحت الأصل .

وأما قوله هناك : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } فأعاد الضمير عليها على ظاهر الكلام ، لأنها أشرف وأشق نتائج الصبر . .

/خ157