اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (153)

اعلم أنه - تعالى - لما أوجب بقوله " فاذكروني " جميع العبادات ، وبقوله : { وَاشْكُرُواْ لِي } ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما ، فقال : { اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } وإنما خصّهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات .

أما الصبر فهو قَهْر النفس على احتمال المَكَاره في ذات الله - تعالى - وتوطينها على تحمُّل المشاقّ ، ومن كان كذلك سهل عليه فعل الطاعات ، وتحمل مشاق العبادات ، وتجنّب المحظورات .

وأما الصلاة فلقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ }

[ العنكبوت : 45 ] .

ومن الناس من حمل الصبر على الصوم .

ومنهم من حمله على الجهاد ، لقوله تعالى بعده : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } ولأنه - تعالى- أمره بالتثبت في الجهاد ، فقال تعالى : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ } [ الأنفال : 45 ] وبالتثبُّت في الصلاة وفي الدعاء ، فقال تعالى : { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 147 ] .

فصل في أقسام الصبر وذكر الاستعانة

والقول الأول أولى لعموم اللفظ وعدم تقيّده الاستعانة ، ذكر الاستعانة بالصلاة ولم يذكر فيماذا يُسْتعان .

فظاهره يدل على أن الاستعانة في كل الأمور ، وذكر الصبر ، وهو ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : الصبر على الطاعات .

والثاني : الصبر على الشدائد فهو يشملها وتقدم الكلام على المراد بالصلاة .

قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } .

فالمعيّة على قسمين :

أحدهما : معيّة عامة ، وهي المعيّة بالعلم والقدرة ، وهذه عامة في حق كل أحد .

والثاني : معيّة خاصة وهي المعيّة بالعَوْن والنصر ، وهذه خاصة بالمتقين والمحسنين والصابرين ، ولهذا قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] وقال هاهنا : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } أي : بالعون والصبر .