تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ} (71)

يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم ، أنه سلمه الله من نار قومه ، وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرًا إلى بلاد الشام ، إلى الأرض المقدسة منها ، كما قال الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب في قوله : { إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قال : الشام ، وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة .

وكذا قال أبو العالية أيضًا .

وقال قتادة : كان بأرض العراق ، فأنجاه الله إلى الشام ، [ وكان يقال للشام : عماد دار الهجرة ، وما نقص من الأرض زيد في الشام ]{[19706]} وما نقص من الشام زيد في فلسطين . وكان يقال : هي أرض المحشر والمنشر ، وبها ينزل عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وبها يهلك المسيح الدجال .

وقال كعب الأحبار في قوله : { إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } إلى حران .

وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قِبَل الشام ، فلقي إبراهيم سارة ، وهي ابنة ملك حران ، وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على ألا يغيرها .

رواه ابن جرير ، وهو غريب [ والمشهور أنها ابنة عمه ، وأنه خرج بها مهاجرًا من بلاده ]{[19707]} .

وقال العَوفي ، عن ابن عباس : إلى مكة ؛ ألا تسمع قوله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 96 ] .


[19706]:- زيادة من ف.
[19707]:- زيادة من ف.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ} (71)

{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } أي من العراق إلى الشام وبركاته العامة أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية . وقيل كثرة النعم والخصب الغالب . روي أنه عليه الصلاة والسلام نزل بفلسطين ولوط عليه الصلاة والسلام بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ} (71)

هذه نجاة ثانية بعد نجاته من ضر النار ، هي نجاته من الحلول بين قوم عدّو له كافرين بربّه وربهم ، وهي نجاة من دار الشرك وفساد الاعتقاد . وتلك بأن سهل الله له المهاجرة من بلاد ( الكلدان ) إلى أرض ( فلسطين ) وهي بلاد ( كنعان ) .

وهجرة إبراهيم هي أول هجرة في الأرض لأجل الدين . واستصحب إبراهيم معه لوطاً ابنَ أخيه ( هَاران ) لأنه آمن بما جاء به إبراهيم . وكانت سارة امرأةُ إبراهيم معهما ، وقد فهمت معيتها من أن المرء لا يهاجر إلا ومعه امرأته .

وانتصب { لوطاً } على المفعول معه لا على المفعول به لأن لوطاً لم يكن مهدداً من الأعداء لذاته فيتعلّقَ به فعل الإنجاء .

وضمن { نجيْناه } معنى الإخراج فعدّي بحرف ( إلى ) .

والأرض : هي أرض فلسطين . ووصفها الله بأنه باركها للعالَمين ، أي للناس ، يعني الساكنين بها لأن الله خلقها أرض خصب ورخاء عيش وأرض أمن . وورد في التوراة : أن الله قال لإبراهيم : إنها تفيض لبناً وعسلاً .

والبركة : وفرة الخير والنفععِ . وتقدم في قوله تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } في [ سورة آل عمران : 96 ] .