اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ} (71)

قوله تعالى :{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } لما نصره الله تعالى أتم النعمة عليه بأن نجاه ونجَّى لوطاً وهو ابن أخيه ، وهو لوط بن هاران نجاهما من نمروذ وقومه من أرض العراق إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين يعني مكة ، وقيل : أرض الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار ، ومنها بعث أكثر الأنبياء{[28967]} .

وقال تعالى : { إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ }{[28968]} قال أُبي بن كعب : سماها مباركة ، لأنّ ما من ماء عذب وإلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس{[28969]} وروى قتادة أنّ عمر بن الخطاب قال لكعب : ألا تتحول إلى المدينة فيها مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبره ، فقال إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أن الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده{[28970]} .

وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «إنها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم » {[28971]} قوله : { وَلُوطاً } يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أَنْ يكونَ معطوفاً على المفعول قبله{[28972]} .

والثاني : أَنْ يكونَ مفعولاً معه . والأول أولى .

وقوله : { إِلَى الأَرْضِ } يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلق ب «نَجَّيْنَاهُ » على أن يتضمن معنى أخرجناه بالنجاة فلما ضمن معنى أخرج تعدى تعديته{[28973]} .

والثاني : أنه لا تضمين{[28974]} فيه وأنَّ حرف الجر يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير في «نَجَّيْنَاهُ » أي : نجيناه منتهياً إلى الأرض كذا قدره أبو حيان{[28975]} وفيه نظر من حيث إنه قدر كوناً مقيداً وهو كثيراً ما يَرُدُّ على الزمخشري وغيره{[28976]} ذلك .

فصل

اعلم أنَّ لوطاً{[28977]} آمن بإبراهيم كما قال تعالى { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ }{[28978]} وكان ابن أخيه ، وهو لوط بن هاران بن تارخ ، وهاران هو أخو إبراهيم ، وكان لهما أخ ثالث يقال له{[28979]} ناخور بن تارخ ، وآمنت به أيضاً سارة ، وهي بنت عمه ، وهي سارة بنت هاران الأكبر عن إبراهيم فخرج من كوشى{[28980]} من أرض حدود بابل بالعراق مهاجراً إلى ربه ومعه لوط وسارة ، فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه حتى نزل حَرَّان{[28981]} فمكث بها ما شاء الله ، ثم ارتحل منها ونزل أرض{[28982]} السبع{[28983]} من فلسطين وهي برية الشام ، ثم خرج منها مهاجراً حتى قدم مصر ، ثم خرج من مصر إلى{[28984]} الشام ، ونزل لوط بالمؤتفكة ، وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب ، وبعثه الله نبياً ، فلذلك قوله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }{[28985]} .


[28967]:المرجع السابق.
[28968]:[الإسراء: 1].
[28969]:انظر البغوي 5/500.
[28970]:المرجع السابق.
[28971]:أخرجه أحمد في مسنده 2/84،199، وانظر النهاية في غريب الحديث 5/244 المهاجر: بفتح الجيم موضع المهاجرة، ويريد به الشام، لأن إبراهيم-عليه السلام- لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به.
[28972]:انظر إعراب القرآن للنحاس 3/74.
[28973]:انظر البحر المحيط 6/328-329.
[28974]:في ب: لا يتضمن. وهو تحريف.
[28975]:البحر المحيط 6/329.
[28976]:في ب: وغير.
[28977]:في ب: لوط. وهو تحريف.
[28978]:من قوله تعالى: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم} [العنكبوت: 26].
[28979]:له: سقط من الأصل.
[28980]:كوثى: في ثلاثة مواضع: بسواد العراق في أرض بابل، وبمكة، وهو منزل بني عبد الدار خاصة، ثم غلب على الجميع. معجم البلدان 4/487-488.
[28981]:حرّان: مدينة قديمة في تركيا ما بين النهرين موطن إبراهيم الخليل بعد هجرته. المنجد في الأعلام (214).
[28982]:في ب: بأرض.
[28983]:السبع: سقط من ب.
[28984]:في ب: يريد.
[28985]:انظر البغوي 5/501.