ثم فسر العذاب الحاصل له يوم معاده{[26308]} فقال : { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ } أي : كل من اتصف بذلك سيصيرون إلى جهنم يوم القيامة ، { وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا } أي : لا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم ، { وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ } أي : ولا تغني عنهم الآلهة التي عبدوها من دون الله شيئًا ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
وقوله : { أولئك } رد على لفظ كل أفاك ، لأنه اسم جنس له الصفات المذكورة بعد قوله : { من ورائهم جهنم } قال فيه بعض المفسرين معناه : من أمامهم ، وهذا نحو الخلاف الذي في قوله تعالى : { وكان وراءهم ملك }{[10262]} [ الكهف : 79 ] ولحظ قائل هذه المقالة الأمر من حيث تأول أن الإنسان كأنه من عمره يسير إلى جنة أو نار ، فهما أمامه ، وليس لفظ الوراء في اللغة كذلك ، وإنما هو ما يأتي خلف الإنسان ، وإذا اعتبر الأمر بالتقدم أو التأخر في الوجود ، على أن الزمان كالطريق للأشياء استقام الأمر ، فما يأتي بعد الشيء في الزمان فهو وراءه ، فكأن الملك وأخذه السفينة وراء ركوب أولئك إياها ، وجهنم وإحراقها للكفرة يأتي بعد كفرهم وأفعالهم ، وهذا كما تقول : افعل كذا وأنا من ورائك عضداً ، وكما تقول ذلك على التهديد ، أنا من وراء التقصي عليك ، ونحو هذا . وقوله تعالى : { ولا ما اتخذوا } يعني بذلك الأوثان .
جملة { من ورائهم } بيان لجملة { لهم عذاب مهين } . وفي قوله : { من ورائهم } تحقيق لحصول العذاب وكونه قريباً منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدوّ يتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه آمناً . ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة ، ومنه قوله تعالى : { وكان وراءهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، وقول لبيد :
أليسَ ورائي إنْ تراخت منيتي *** لُزومُ العصا تُحنى عليها الأصابع
ومن فسر وراء بقُدّام ، فما رعَى حق الكلام .
وعطف جملة { ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً } على جملة { من ورائهم جهنم } لأن ذلك من جملة العذاب المهين فإن فقدان الفداء وفقدان الوليّ مما يزيد العذاب شدة ويكسب المعاقب إهانة . ومعنى الإغناء في قوله : { ولا يغني عنهم } الكفاية والنفع ، أي لا ينفعهم .
وعُدي بحرف ( عن ) لتضمينه معنى يدفع فكأنَّه عُبّر بفعلين لا يغنيهم وبالدفع عنهم ، وتقدم في قوله : { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } في سورة آل عمران ( 10 ) .
و { ما كسبوا } : أموالهم . و { شيئاً } منصوب على المفعولية المطلقة ، أي شيئاً من الإغناء لأن { شيئاً } من أسماء الأجناسسِ العاليةِ فهو مفسر بما وقع قبله أو بعده ، وتنكيره للتقليل ، أي لا يدفع عنهم ولو قليلاً من جهنم ، أي عذابها .
{ ولا ما اتخذوا } عطف على { ما كسبوا } وأعيد حرف النفي للتأكيد ، و { أولياء } مفعول ثان ل { اتخذوا } . وحذف مفعوله الأول وهو ضميرهم لوقوعه في حيز الصلة فإن حذف مثله في الصلة كثير .
وأردف { عذاب مهين } بعطف { ولهم عذاب عظيم } لإفادة أن لهم عذاباً غير ذلك وهو عذاب الدنيا بالقتل والأسر ، فالعذاب الذي في قوله : { ولهم عذاب عظيم } غير العذاب الذي في قوله : { أولئك لهم عذاب مهين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.