تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

وقوله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } أي : آذنكم وأعلمكم بوعده لكم . ويحتمل أن يكون المعنى : وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كما قال : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ]{[15751]} } [ الأعراف : 167 ] .

وقوله{[15752]} { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ } {[15753]} أي : لئن شكرتم نعمتي{[15754]} عليكم لأزيدنكم منها ، { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ } أي : كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } وذلك بسلبها عنهم ، وعقابه إياهم على كفرها .

وقد جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " {[15755]} .

وفي المسند : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ به سائل فأعطاه تمرة ، فَتَسَخَّطها ولم يقبلها ، ثم مر به آخر فأعطاه إياها ، فقبلها وقال : تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر له بأربعين درهما ، أو كما قال .

قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا عمارة الصَّيدلاني ، عن ثابت ، عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو : وحش بها - قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة ، فقال : سبحان الله ! تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال للجارية : " اذهبي إلى أم سلمة ، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها " .

تفرد به الإمام أحمد{[15756]} .

وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبَّان ، وأحمد ، ويعقوب بن سفيان{[15757]} وقال ابن معين : صالح . وقال أبو زُرْعَة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، ليس بالمتين . وقال البخاري : ربما يضطرب في حديثه . وعن أحمد أيضا أنه قال : روي عنه أحاديث منكرة . وقال أبو داود : ليس بذاك . وضعفه الدارقطني ، وقال ابن عدي : لا بأس به ممن يكتب حديثه .


[15751]:- زيادة من ت ، أ.
[15752]:- في ت ، أ : "وقال ها هنا".
[15753]:- في ت ، أ : "وإذ تأذن ربكم لئن".
[15754]:- في ت : "نعمة الله".
[15755]:- رواه أحمد في المسند (5/80) وابن ماجة في السنن برقم (90) من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري (1/61).
[15756]:- المسند (3/154).
[15757]:- في ت : "أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

{ وإذ تأذّن ربكم } أيضا من كلام موسى صلى الله عليه وسلم ، و{ تأذن } بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكليف والمبالغة . { لئن شكرتم } يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الانجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح . { لأزيدنّكم } نعمة إلى نعمة . { ولئن كفرتم } ما أنعمت عليكم . { إن عذابي لشديد } فلعلي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا و من عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد ، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول { تأذن } على أنه جار مجرى " قال " لأنه ضرب منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

و { تأذن } بمعنى آذن . أي أعلم ، وهو مثل : أكرم وتكرم ، وأوعد وتوعد ، وهذا الإعلام منه مقترن بإنفاذ وقضاء قد سبقه ، وما في تفعل هذه من المحاولة والشروع إذا أسندت إلى البشر منفي في جهة الله تعالى ، وأما قول العرب : تعلم بمعنى أعلم ، فمرفوض . الماضي على ما ذكر يعقوب . كقول الشاعر :

تعلم أبيت اللعن . . . . . . {[7011]} ونحوه .

وقال بعض العلماء : الزيادة على الشكر ليست في الدنيا وإنما هي من نعم الآخرة ، والدنيا أهون من ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وصحيح جائز أن يكون ذلك ، وأن يزيد الله أيضاً المؤمن على شكره من نعم الدنيا وأن يزيده أيضاً منهما جميعاً ، وفي هذه الآية ترجية وتخويف ، ومما يقضي بأن الشكر متضمن الإيمان أنه عادله بالكفر ، وقد يحتمل أن يكون الكفر كفر النعم لا كفر الجحد ، وحكى الطبري عن سفيان وعن الحسن أنهما قالا : معنى الآية : { لئن شكرتم لأزيدنكم } من طاعتي وضعفه الطبري ، وليس كما قال : بل هو قوي حسن ، فتأمله .

قال القاضي أبو محمد : وقوله : { لئن شكرتم } هو جواب قسم يتضمنه الكلام .


[7011]:سبق أن شرح ابن عطية معنى [تأذن] في سورة الأعراف، واستشهد بهذا الجزء من البيت، راجع الجزء السادس صفحة 123 و ما بعدها. والعرب تضع تفعل موضع أفعل، فقالوا: أوعدته وتوعدته بمعنى واحد. والبيت المشهور في هذا هو قول القطامي: تعلم أن بعد الغي رشدا وأن لهذه الغير انقشاعا.