تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : مبدع السموات والأرض وخالقهما ومنشئهما و[ محدثها ]{[11001]} على غير مثال سبق ، كما قال{[11002]} مجاهد والسُّدِّي . ومنه سميت البدعة بدعة ؛ لأنه لا نظير لها فيما سلف .

{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أي : كيف يكون له ولد ، ولم تكن له صاحبة ؟ أي : والولد إنما يكون متولدا عن شيئين متناسبين ، والله لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه ؛ لأنه خالق{[11003]} كل شيء ، فلا صاحبة له ولا ولد ، كما قال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ * هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ] {[11004]} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 - 95 ] .

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فبين تعالى أنه الذي خلق كل شيء ، وأنه بكل شيء عليم ، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه ؟ وهو الذي لا نظير له فأنى يكون له ولد ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .


[11001]:زيادة من أ.
[11002]:في أ: "قاله".
[11003]:في أ: "خلق".
[11004]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

{ بديع السماوات والأرض } من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، أو إلى الظرف كقولهم : ثبت العذر بمعنى أنه عديم النظير فيهما ، وقيل معناه المبدع وقد سبق الكلام فيه ، ورفعه على الخبر والمبتدأ محذوف أو على الابتداء وخبره . { أنا يكون له ولد } أي من أين أو كيف يكون له ولد . { ولم تكن له صاحبة } يكون منها الولد . وقرئ بالياء للفصل أو لأن الاسم ضمير الله أو ضمير الشأن . { وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } لا تخفى عليه خافية ، وإنما لم يقل به لتطرق التخصيص إلى الأول ، وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه : ( الأول ) أنه من مبتدعاته السماوات والأرضون ، وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بأن يتعالى عنها ، أو أن ولد الشيء نظيره ولا نظير له فلا ولد . ( والثاني ) أن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين والله سبحانه وتعالى منزه عن المجانسة . ( والثالث ) أن الولد كفؤ الوالد ولا كفؤ له لوجهين : الأول أن كل ما عداه مخلوقه فلا يكافئه . والثاني أنه سبحانه وتعالى لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره بالإجماع .