فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٞۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (101)

قوله : { بَدِيعُ السموات والأرض } أي مبدعهما ، فكيف يجوز أن { يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } وقد جاء البديع بمعنى المبدع ، كالسميع بمعنى المسمع كثيراً ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :

أمن ريحانة الدَّاعى السَّميع *** يؤرقني وأصحابي هجوع

اه أي المسمع . وقيل : هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل ، والأصل : بديع سمواته وأرضه . وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله . والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ وخبره { أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } . وقيل : هو مرفوع على أنه فاعل " تعالى " ، وقرئ بالنصب على المدح ، والاستفهام في { أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } للإنكار والاستبعاد ، أي من كان هذا وصفه ، وهو أنه خالق السموات والأرض وما فيهما ، كيف يكون له ولد ؟ وهو من جملة مخلوقاته ، وكيف يتخذ ما يخلقه ولداً ، ثم بالغ في نفي الولد ، فقال : { وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحبة } أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة ، والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد ، وجملة : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء } لتقرير ما قبلها ، لأن من كان خالقاً لكل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولداً { وَهُوَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية .