تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

وقوله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } قال بعض السلف : من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله : أن الله جعلها زينة للسماء{[10985]} ورجوما للشياطين ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر .

وقوله : { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ } أي : قد بيناها ووضحناها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : يعقلون ويعرفون الحق ويجتنبون{[10986]} الباطل .


[10985]:في أ: "السماء".
[10986]:في أ: "ويتجنبون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والله الذي جعل لكم أيها الناس النجوم أدلة في البرّ والبحر إذا ضللتم الطريق ، أو تحيرتم فلم تهتدوا فيها ليلا تستدلون بها على المحجة ، فتهتدون بها إلى الطريق والمحجة فتسلكونه ، وتنجون بها من ظلمات ذلك ، كما قال جلّ ثناؤه : وَعَلاماتٍ وَبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ : أي من ضلال الطريق في البرّ والبحر ، وعنى بالظلمات : ظلمة الليل ، وظلمة الخطأ والضلال ، وظلمة الأرض أو الماء . وقوله : قَدْ فَصّلْنَا الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يقول قد ميزنا الأدلة وفرّقنا الحجج فيكم وبيناها أيها لناس ليتدبرها أولو العلم بالله منكم ويفهمها أولو الحجاج منكم ، فينيبوا من جهلهم الذي هم عليه مقيمون ، وينزجروا عن خطأ فعلهم الذي هم عليه ثابتون ، ولا يتمادوا عناداً للّه مع علمهم بأن ما هم عليه مقيمون خطأ في غيهم .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمْ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ قال : يضلّ الرجل وهو في الظلمة والجور عن الطريق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

عطف على جملة : { وجاعل اللّيل سكناً } [ الأنعام : 96 ] ، وهذا تذكير بوحدانيّة الله ، وبعظيم خلقة النّجوم ، وبالنّعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية للنّاس في ظلمات البرّ والبحر يهتدون بها . وقد كان ضبط حركات النّجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم العلوم البشريّة ظهر بين الكلدانيّين والمصريّين القدماء . وذلك النّظام هو الّذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة .

والمقصود الأوّل من هذا الخبر الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى بالإلهيّة ، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه ، لأنّ كون خلق النّجوم من الله وكونها ممّا يهتدَى بها لا ينكره المخاطبون ولكنّهم لم يَجْرُوا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة .

والنّجُوم جمع نجم ، وهو الكوكب ، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليْلاً الّذي يبدو للعين صغيراً ، فليس القمر بنجْم .

و { جَعَل } هنا بمعنى خَلَق ، فيتعّدى إلى مفعول واحد و { لكُم } . متعلّق ب { جعل } ، والضّمير للبشر كلّهم ، فلام { لكم } للعلّة .

وقوله : { لتهتدوا بها } علّة ثانية لِ { جعَل } فاللاّم للعلّة أيضاً ، وقد دلّت الأولى على قصد الامتنان ، فلذلك دخلت على ما يدلّ على الضّمير الدالّ على الذّوات ، كقوله : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] ، واللاّم الثّانية دلّت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النّفع العظيم . ولمّا كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله : { لتهتدوا } قريباً من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } في سورة [ المائدة : 114 ] .

والمراد بالظلمات : الظلمة الشّديدة ، فصيغة الجمع مستعملة في القوّة . وقد تقدّم أنّ الشّائع أن يقال : ظلمات ، ولا يقال : ظلمة ، عند قوله تعالى : { وتَركهم في ظلمات لا يبصرون } في سورة [ البقرة : 17 ] .

وإضافة { ظلمات } إلى { البرّ والبحر } على معنى ( في ) لأنّ الظّلمات واقعة في هذين المكانين ، أي لتهتدوا بها في السّير في الظّلمات . ومن ينفي الإضافة على معنى ( في ) يجعلها إضافة على معنى اللاّم لأدنى ملابسة كما في « كوكب الخرقاء » . والإضافة لأدنى ملابسة ، إمّا مجاز لغوي مبني على المشابهة ، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام « المفتاح » في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى : { يأرض ابلعي ماءك } [ هود : 44 ] إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيهاً لاتّصال الماء بالأرض باتّصال المِلك بالمالك اه . فاستُعمل فيه الإضافة الّتي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعيّة ؛ وإمّا مجاز عقليّ على رأي التفتزاني في موضع آخر إذ قال في « كوكب الخرقاء » « حقيقة الإضافة اللاّميّة الاختصاص الكامل ، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازاً حُكمياً » . ولعلّ التفتزاني يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين ، على أنّ قولهم : لأدنى ملابسة ، يؤذن بالمجاز العقلي لأنّه إسناد الحكم أو معناه إلى ملابسسٍ لما هُوَ لَهُ .

وجملة : { قد فصّلنا الآيات } مستأنفة للتّسجيل والتّبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا . واللاّم للتّعليل متعلّق ب { فصّلنا } كقوله :

ويوم عَقرت للعذاري مطيّتي

أي فصّلنا لأجل قوم يعلمون .

وتفصيل الآيات تقدّم عند قوله تعالى : { وكذلك نفصّل الآيات } في هذه السّورة [ 55 ] . وجعل التّفصيل لقوم يعلمون تعريضاً بمَن لم ينتفعوا من هذا التّفصيل بأنّهم قوم لا يعلمون .

والتّعريف في الآيات } للاستغراق فيشمل آية خلق النّجوم وغيرها . والْعِلم في كلام العرب إدْراك الأشياء على ما هي عليه قال السّمَوْأل أو عبد الملك الحارثي :

فليس سواء عالم وجهول

وقال النّابغة :

ولَيْسَ جاهِلُ شيءٍ مثلَ مَنْ عَلِما

والّذين يعلمون هم الّذين انتفعوا بدلائل الآيات . وهم الّذين آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى : { إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } [ الأنعام : 99 ] .