إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

{ وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم } شروعٌ في بيان نعمتِه تعالى في الكواكب إثرَ بيانِ نعمتِه تعالى في النَّيِّرَيْنِ{[228]} والجعلُ متعدٍّ إلى واحد واللامُ متعلقةٌ به ، وتأخيرُ المفعول الصريح عن الجار والمجرور لما مر غيرَ مرةٍ من الاهتمام بالمقدَّمِ والتشويق إلى المؤخر أي أنشأها وأبدعها لأجلكم ، فقوله تعالى : { لِتَهْتَدُوا بِهَا } بدلٌ من المجرور بإعادة العامل بدلَ اشتمال كما في قوله تعالى : { لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً } [ الزخرف ، الآية 33 ] والتقدير جعلَ لكم النجومَ لاهتدائكم لكن لا على أن غايةَ خلقِها اهتداؤُهم فقط بل على طريقة إفراد بعضِ منافعِها وغاياتها بالذكر حسبما يقتضيه المقام ، وقد جُوِّز أن يكون مفعولاً ثانياً للجعل ، وهو بمعنى التصيير أي جعلها كائنةً لاهتدائكم في أسفاركم عند دخولِكم المفاوزَ أو البحارَ كما ينبئ عنه قولُه تعالى : { في ظلمات البر والبحر } أي في ظلمات الليل في البر والبحر ، وإضافتُها إليهما للملابسة فإن الحاجة إلى الاهتداء بها إنما تتحقق عند ذلك أو في مشتَبِهات الطرق ، عبّر عنها بالظلمات على طريقة الاستعارة { قَدْ فَصَّلْنَا الآيات } أي بيّنا الآياتِ المتلُوَّةَ المذكِّرةَ لنِعَمه التي هذه النعمةُ من جملتها أو الآياتِ التكوينيةَ الدالةَ على شؤونه تعالى مفصّلةً { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي معانِيَ الآياتِ المذكورةِ ويعملون بموجبها أو يتفكرون في الآيات التكوينية فيعلمون حقيقةَ الحال ، وتخصيصُ التفصيل بهم مع عمومه للكل لأنهم المنتفعون به .


[228]:هما الشمس والقمر.