فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

{ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } أي خلقها للاهتداء بها في ظلمات الليل عند المسير في البحر والبر ، وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما أو المراد بالظلمات اشتباه طرقهما التي لا تهتدي فيها إلا بالنجوم ، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها ومنها ما ذكر الله في قوله : { وحفظا من كل شيطان مارد } { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية .

وقيل يستدلون بها أيضا على القبلة على ما يريدون في النهار بحركة الشمس ، وفي الليل بحركة الكواكب ، وعن عمر بن الخطاب قال : تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدي بها ، وعن قتادة نحوه .

وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا ) {[708]} ، وقد ورد في استجاب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله ) ، وعند ابن شاهين والطبراني والخطيب وأحمد عن ابن أبي أوفى وأبي الدرداء وأبي هريرة نحوه .

وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : التاجر الأمين والإمام المقتصد ، وراعي الشمس بالنهار ) {[709]} ، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سليمان الفارسي قال : سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة .

فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك ، وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس وأول صلاة الظهر زوالها ، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية ، ووقت المغرب غروب الشمس ، وورد في صلاة العشاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقت مغيب القمر ليلة ثالث عشر ، وبهما يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها ، فمن راعى الشمس والقمر لهذه الأمور فهو الذي أراده صلى الله عليه وسلم ومن راعهما لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد .

وهكذا النجوم ورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه والخطيب عن علي قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم ، وعن أبي هريرة عندهما وعند المرهبي مثله مرفوعا ، وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعا مثله .

وأخرج الطبراني والخطيب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ذكر أصحابي فامسكوا وإذا ذكر القدر فامسكوا وإذا ذكرت النجوم فامسكوا ) {[710]} ، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد ) . {[711]}

فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكير والاعتبار وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكير والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق ، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة أنه سأل رجلا عن حساب النجوم ، فجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال : سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته .

وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أما بعد فإن ناسا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر ، وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض ، وأنهم قد كذبوا ، ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة ) . {[712]}

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده ) .

{ قد فصلنا الآيات } أي بيناها بيانا مفصلا ليكون أبلغ في الاعتبار { لقوم يعلمون } إن ذلك مما يستدل به على وجود الصانع المختار وكمال قدرته وعظمته وبديع صنعه وعلمه وحكمته .


[708]:ضعيف الجامع الصغير 2455.
[709]:ضعيف الجامع الصغير 2611.
[710]:صحيح الجامع الصغير 559.
[711]:صحيح الجامع الصغير 595.
[712]:أحمد بن حنبل 5/16.