تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (97)

جعل : خلق .

النجوم : جمع نجم وهي الأجرام السماوية التي نرى كثيرا منها بالعين المجردة .

الطلمات : المراد بالظلمات ظلمة الليل ، في أسفارنا برا وبحرا .

إن الله هو الذي خلق لكم النجوم أيها الناس ، تستدلّون بها على الطريق فتسلكونها وتنجون من الأخطار في البر والبحر . فالله سبحانه وتعالى يذكّرنا ببعض فضله علينا في تسخير هذه النيرات التي نراها صغيرة ، لبعدها عنا ، بعد أن سبق وذكَرنا ببعض فضله في الشمس والقمر اللّذين يبدوان كبيرين في أعين الناس لقربهما .

وأقرب كوكب منا هو القمر ، يبعد عن الأرض بنحو مائتين وأربعين ألف ميل ، وهو يدور حول الأرض ويكمل دورته في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم . وتبعد أرضنا عن الشمس ثلاثة وتسعين مليون ميل ، وهي تدور حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ، وتدور حول الشمس في دائرة مساحتها مائة وتسعون مليون ميل ، وتستكمل دورتها في هذه الدائرة مرة واحد في سنة كاملة . وتوجد تسعة كواكب مع الأرض هي : عطارد والزهرة والمّريخ وزحَل والمشتري واورانوس ونبتون وبلوتو ، وكلها تدور حول الشمس بسرعة فائقة ، وبعضها يكمل دورة كاملة في ثمانية وثمانين يوماً وهو عطارد ، أقرب الكواكب إلى الشمس ؛ وبعضها يكمل دورة كاملة في مدة مائتين وثمان وأربعين سنة وهو بلوتو ، أبعد الكواكب من الشمس . وهو يدور في دائرة مساحتُها سبعةُ بلايين وخمسمائة مليون ميل . وحول هذه الكواكب يدور واحد وثلاثون قمراً أخرى . وتوجد غير هذه الكواكب حلقة من ثلاثين ألفا من «النجيمات » وآلاف المذنبات ، وشهب لا حصر لها وكلها تدور حول ذلك السيّار العملاق الذي نسميه الشمس ، التي يبلغ قطرها : ثمانمائة وخمسة وستين ألف ميل . وهي أكبر من الأرض بمليون وربع مليون مرة .

ولا تشكّل هذه الشمس وما حولها من الكواكب المذكورة ، والأقمار ، والنجيمات ، والشهب التي تشغل هذا المجال الواسع ، ذرةً صغيرة في هذا الكون الواسع الذي لا يدركه عقل ولا بصر . ثم إن هذه الشمس ليست بثابتة أو واقفة في مكان ما ، وإنما هي بدورها ، ومع كل هذه الأجرام التي ذكرناها- تدور في النظام الرائع البديع بسرعة 600 ، 000 ألف ميل في الساعة وفي هذا الكون الفسيح العجيب آلاف الأنظمة غير نظامنا الشمسي يتكون منها ذلكم النظام الذي نسمّيه «المجرّات » أو مجاميع النجوم ، وكأنها جميعها طبق عظيم تدور عليه النجوم والكواكب منفردة ومجتمعة ، كما يدور الخذروف «البلبل » حين يلعب الأطفال .

ومجرّات النجوم هذه تتحرك بدورها أيضا ، فالجرّة التي يقع فيها نظامنا الشمسي تدور حول محورها بحيث تكمل دورةً واحدة كل مائتي بليون سنة ضوئية 200 ، 000 ، 000 ، 000 وهذا شيء مذهل ومحيِّر لا تتصوره العقول .

ويقدّر علماء الفلك أن هذا الكون يتألف من خمسمائة مليون من المجرات ، في كل منها «مائة مليار » من النجوم ، أو أكثر أو أقل .

ويقدّرون أن أقرب مجموعة من النجوم ، وهي التي نراها في الليل كخيوط بيضاء دقيقة والتي نسميها درب التبّانة ، تضم حَيّزاً مداه ألف سنة ضوئية . وسرعة الضوء 300 ، 000 ألف كيلو متر في الثانية . وبمعرفة هذه الحقيقة يتبين لنا اتساع السنة الضوئية ومقدار زمنها ، وكم تكون مسافة ألف سنة ضوئية . إنها شيء مذهل حقا ، فوق تفكير البشر وطاقته .

ونبعد نحن سكان الأرض عن مركز هذه المجموعة بمقدار ثلاثين ألف سنة ضوئية ، وهذه المجموعة جزء من مجموعة كبيرة تتألف من سبع عشرة مجرة . وقطرة هذه المجموعة الكبيرة ( ذات السبع عشرة ) مليونان من السنين الضوئية .

والحديث في هذا الموضوع طويل جدا ، ومحيّر ومذهل . وحين ينظر العقل إلى هذا النظام العجيب ، والتنظيم الدقيق الغريب المدهش لا يلبث أن يحكم باستحالة أن يكون هذا كله قائما بنفسه ، بل إن هنالك طاقة غير عادية هي التي تقيم هذا النظام العظيم ، وتهيمن عليه .

ولما في عالم السماوات وهذا الكون الذي بينا لمحة موجزة عنه- من بديع الصنع والنظام- ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله :

{ قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .

أي : أنّا قد بينّا دلائل رحمتنا وقدرتنا لقوم ينتفعون بالعلم . فهو يوجّهنا إلى هذا الكون ، وما فيه من حقائق مذهلة ، تدفعنا إلى التدبر والتذكّر . اللهم اجعلنا ممن ينتفعون بالعلم والمعرفة ، وثّبت قلوبنا بالإيمان الصادق .

وبعد أن بيّن لنا تعالى بعض آياته في هذا الكون العجيب ليذكّرنا بذلك ، وينبّه الناس من غفلتهم ، عطف الحديث ليذكّرنا بآياته العجيبة في أنفسنا . ذلك لأن الإنسان هو أعظم شيء في الوجود .