وقوله تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال الضحاك ، عن ابن عباس : كصنيع آل فرعون . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والضحاك ، وغير واحد ، ومنهم من يقول : كسنة آل فرعون ، وكفعل آل فرعون وكشبه{[4822]} آل فرعون ، والألفاظ متقاربة . والدأب - بالتسكين ، والتحريك أيضًا كنَهْر ونَهَر - : هو الصنع {[4823]} والشأن والحال والأمر والعادة ، كما يقال : لا يزال هذا دأبي ودأبك ، وقال امرؤ القيس :
وقوفا بها صحبي على مطيهم *** يقولون : لا تهلك{[4824]} أسى وتجمل{[4825]}
كدأبك من أم الحويرث{[4826]} قبلها *** وجارتها أم الرباب بمأسل{[4827]}
والمعنى : كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها .
والمعنى في الآية : أن الكافرين لا تغني{[4828]} عنهم الأولاد ولا الأموال ، بل يهلكون ويعذبون ، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل{[4829]} فيما جاؤوا{[4830]} به من آيات الله وحججه .
{ [ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ] {[4831]} وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : شديد الأخذ أليم العذاب ، لا يمتنع منه أحد ، ولا يفوته شيء بل هو الفعال لما يريد ، الذي [ قد ] {[4832]} غلب كل شيء وذل له كل شيء ، لا إله غيره ولا رب سواه .
{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا عند حلول عقوبتنا بهم ، كسنة آل فرعون وعادتهم ، والذين من قبلهم من الأمم الذين كذبوا بآياتنا ، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا ، فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا حين جاءهم بأسنا كالذي عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل آل فرعون من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } فقال بعضهم : معناه : كسنتهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } يقول : كسنتهم .
وقال بعضهم : معناه : كعملهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان جميعا ، عن جويبر ، عن الضحاك : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنِ } قال : كعمل آل فرعون .
حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر . عن الضخاك في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كعمل آل فرعون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كفعلهم كتكذيبهم حين كذبوا الرسل . وقرأ قول الله : { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ } أن يصيبكم مثل الذي أصابهم عليه من عذاب الله . قال : الدأب : العمل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كفعل آل فرعون ، كشأن آل فرعون .
حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } قال : كصنع آل فرعون .
وقال آخرون : معنى ذلك : كتكذيب آل فرعون . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَأخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ } ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب .
وأصل الدأب من دأبت في الأمر دأْبا : إذا أدمنت العمل والتعب فيه . ثم إن العرب نقلت معناه إلى الشأن والأمر والعادة ، كما قال امرؤ القيس بن حجر :
وَإِنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ *** فَهَلْ عندَ رَسْمٍ دَارِسٍ من مُعَوّلِ
كَدأْبِكَ مِنْ أُم الحُوَيْرِث قَبْلَه *** اوَجارَتِها أُمّ الرّبابِ بِمأْسَل
يعني بقوله كدأبك : كشأنك وأمرك وفعلك ، يقال منه : هذا دأبي ودأبك أبدا ، يعني به : فعلي وفعلك وأمري وأمرك ، وشأني وشأنك ، يقال منه : دأبت دووبا ودَأْبا . وحكي عن العرب سماعا : دأبت دَأَبا مثقلة محركة الهمزة ، كما قيل هذا شعَر وبهَر ، فتحرك ثانيه لأنه حرف من الحروف الستة ، فألحق الدأب إذ كان ثانيه من الحروف الستة ، كما قال الشاعر :
لَهُ نَعْلٌ لاَ يَطّبِي الكَلْبَ رِيحُها *** وَإِنْ وُضِعَتْ بَيْنَ المَجالِسِ شُمّتِ
وأما قوله : { وَاللّهُ شَدِيدُ العِقَابِ } فإنه يعني به : والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه .
والكاف في قوله { كدأب } في موضع رفع ، التقدير : دأبهم { كدأب } ، ويصح أن يكون الكاف في موضع نصب ، قال الفراء : هو نعت لمصدر محذوف تقديره كفراً { كدأب } ، فالعامل فيه { كفروا } ، ورد هذا القول الزجاج بأن الكاف خارجة من الصلة فلا يعمل فيها ما في الصلة .
قال القاضي رحمه الله : ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ «الوقود » ويكون التشبيه في نفس الاحتراق ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً{[2980]} ، أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] ، والقول الأول أرجح الأقوال أن يكون الكاف في موضع رفع ، والهاء في { قبلهم } عائدة على { آل فرعون } ، ويحتمل أن تعود على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ، وقوله : { بآياتنا } يحتمل أن يريد بالآيات المتلوة ، ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة ، واختلفت عبارة المفسرين ، في تفسير الدأب ، وذلك كله راجع إلى المعنى الذي ذكرناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.