غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (11)

1

قوله تعالى : { كدأب آل فرعون } يقال : دأب فلانٍ في عمله أي جدّ وتعب دأبا ودؤباً فهو دئيب . وأدأبته أنا ، والدائبان الليل والنهار ، والدأب العادة والشأن ، وكل ما عليه الإنسان من صنيع وحالة ، وقد يحرك وأصله من دأبت إطلاقا لاسم الخاص على العام أي جد هؤلاء الكفار واجتهادهم أو شأنهم أو صنيعهم في تكذيب محمد وكرفهم بدينه كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام . ثم إنا أهلكنا أولئك بذنوبهم فكذلك نهلك هؤلاء فقوله : { كذبوا بآياتنا } تفسير لدأبهم على أنه جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ما فعلوا وما فعل بهم ؟ فقيل : كذبوا بآياتنا بالمعجزات الدالة على صدق رسلنا . { فأخذهم الله بذنوبهم } أي صاروا عند نزول العذاب كالمأخوذ المأسور الذي لا يقدر على وجه الخلاص ألبتة .

وقيل : المعنى كدأب الله في آل فرعون أي يجعلهم الله وقود النار كعادته وصنيعه في آل فرعون والمصدر يضاف تارة إلى الفاعل وتارة إلى المفعول . وقال القفال : يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى وللعادة المضافة إلى الكفار كأنه قيل : إن عادة هؤلاء الكفار ومذهبهم في إيذاء محمد كعادة من قبلهم في إيذاء الرسل ، وعادتنا أيضا قي إهلاك هؤلاء كعادتنا في إهلاك أولئك الكفرة . وقيل : الدؤب والدأب اللبث والدوام والتقدير : دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون . وقيل : مشقتهم وتعبهم في النار كمشقة آل فرعون بالعذاب { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب }[ غافر : 46 ] . وقيل : المشبه هو أن أموالهم وأولادهم لا تنفعهم في إزالة العذاب والمعنى : إنكم قد عرفتم ما حل بآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين بالرسل من العذاب المعجل الذي عنده لم ينفعهم مال ولا ولد ، فكذلك حالكم أيها الكفار المكذبون بمحمد فينزل بكم مثل ما نزل بهم ولا تغني عنكم الأموال والأولاد . ويحتمل أن يكون وجه التشبيه أنه كما نزل بمن تقدم العذاب المعجل بالاستئصال وهو قوله { فأخذهم الله بذنوبهم } ثم صاروا إلى دوام العذاب وهو قوله { والله شديد العقاب } فسينزل بمن كذب بمحمد أمران : أحدهما المحن المعجلة من القتل والسبي والإذلال وسلب الأموال وإليه الإشارة بقوله فيما بعد { قل للذين كفروا ستغلبون } والثاني المصير إلى العذاب الدائم وذلك قوله { وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } .

/خ11