الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (11)

10

وأما معنى { كَدَأْبِ } : فقال ( ابن عباس ) وعكرمة ومجاهد والضَّحاك وأبو روق والسدَّي وابن زيد : كمثل آل فرعون ( مع موسى ) يقول كعب اليهود : لكفر آل فرعون والذين من قبلهم .

ربيع والكسائي وأبو عبيدة : كسنّة آل فرعون . الأخفش : كأمر آل فرعون . قال أمرؤ القيس :

كدأبك من أم الحويرث قبلها *** وجارتها أم الرباب بمأسل

وهذا أصل الحرف يقال : دائب في الأمر أو أبة دأباً ودائب ( ويدأ ودءوبا ) إذا أدمنت العمل ونعيته .

وأدأب السير أدآباً ، فإنَّما يرجع معناه الى النَّساب والحاك والعادة .

قال الشاعر :

لأرتحلن بالفجر ثمّ لادئبنّ

قال سيبويه : موضع الكاف رفع ؛ لأن الكاف للتشبيه تقوم مقام الاسم ، وتقديرهُ : دأبهم { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } كدأب الأمم الماضية { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ } : فعاقبهم .

{ بِذُنُوبِهِمْ } : نظيره قوله

{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [ العنكبوت : 40 ] .

{ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ } : قرأ إسحاق وثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخَلْقٌ بالياء فيهما ، الباقون بالتاء ، فمن قرأهما بالياء فعلى الأخبار عنهم أنَّهم يحشرون ويقلبون ، ومن قرأهما بالتاء فعلى الخطاب أي قلَّ لهم إنكم ستغلبون وتحشرون وكلا الوجهين ( صحيح ) ؛ لأنه لم يوح إليهم ، واذا كان المخاطب بالشيء غير حاضر وكانت مخاطبته ( في ) الكلام بالتاء على الخطاب ، وبالياء على الأخبار والأعلام كما تقول : ( قل لغير اللّه ليضربن ولتضربن ) .

واختلف المفسرون في المعنى لهذه الآية من هم ؟ فقال مقاتل : هم مشركو مكَّة ، ومعنى الآية قيل لكفَّار مكّة : ستغلبون يوم بدر وتحشرون في الهجرة ، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلَّى اللّه عليه وسلَّم للكافرين يوم بدر : " إنَّ اللّه غالبكم وحاشركم الى جهنَّم " .

دليلُ التأويل قوله تعالى :

{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [ القمر : 45 ] .

وقال بعضهم : المراد بهذه الآية اليهود .

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : " إنَّ يهود أهل المدينة قالوا لمَّا هَزَمَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر : هذا واللّه النبي الأمَّي الذي بشَّرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، وأنَّه لا تردُّ له راية ، وأرادوا تصديقه واتَّباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى الى وقفة أخرى به ، فلمَّا كان يوم أُحدْ ونكب أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شكَّوا وقالوا : لا واللّه ما هو به فغلبَ عليهم الشقاء ولم يسلموا ، وقد كان بينهم وبين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عهدُ الى مدة لم تنقضِ فنقضوا ذلك العهد من أجله .

وإنطلق كعب بن الإشرف في ستين راكباً الى أهل مكَّة ، أبي سفيان واصحابه ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لتكون كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا الى المدينة ، فأنزل اللّه فيهم هذه الآية . "

وقال محمد بن إسحاق عن رجاله لمَّا أصاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر ، وقدِم الى المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال : " يا معشر اليهود إحذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم قد عرفتم إنَّي نبي مرسل تجدونَ ذلك في كتابكم وعهدَ اللّه إليكم " . فقالوا : يا محمَّد لا يغرنَّك أن لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ، لك واللّه لو قاتلناك لعرف منا البأس ، فأنزل اللّه تعالى :{ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا }