فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (11)

قوله : { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } الدأب : الاجتهاد ، يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودءوباً : إذا جدّ ، واجتهد ، والدائبان الليل ، والنهار ، والدأب : العادة ، والشأن ، ومنه قول امرئ القيس :

كدأبك من أمِّ الحُوَيِرِثِ قَبْلَها *** وَجَارَتها أمِّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ

والمراد هنا : كعادة آل فرعون ، وشأنهم ، وحالهم ، واختلفوا في الكاف ، فقيل : هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى . وقال الفراء : إن المعنى : كفرت العرب ، ككفر آل فرعون . قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن كفروا داخلة في الصلة ، وقيل : هي متعلقة بأخذهم الله ، أي : أخذهم أخذه ، كما أخذ آل فرعون ، وقيل : هي متعلقة ب { لن تغني } ، أي : لم تغن عنهم غناء ، كما لم تغن عن آل فرعون ، وقيل : إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الإحراق . قالوا : ويؤيده قوله تعالى : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] ، والقول الأوّل هو الذي قاله جمهور المحققين ، ومنهم الأزهري . قوله : { والذين مِن قَبْلِهِمْ } أي : من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة ، أي : وكدأب الذين من قبلهم . قوله : { كَذَّبُوا بآياتنا فَأَخَذَهُمُ الله } يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة ، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية ، ويصح إرادة الجميع . والجملة بيان ، وتفسير لدأبهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد : أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا الخ . وقوله { بِذُنُوبِهِمْ } أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم .

/خ13