إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (11)

{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } الدأبُ مصدر دأَبَ في العمل إذا كدح فيه وتعِب غلب استعمالُه في معنى الشأن والحال والعادة ، ومحلُّ الكاف الرفعُ على أنه خبرٌ لمبتدإٍ محذوف وقد جُوِّز النصبُ بلن تغني أو بالوَقود أي لن تغني عنهم كما لم تغنِ عن أولئك أو توقد بهم النارُ كما توقد بهم ، وأنت خبير بأن المذكور في تفسير الدأب إنما هو التكذيبُ والأخذ من غير تعرُّض لعدم الإغناء لاسيما على تقدير كونِ مِنْ بمعنى البدل كما هو رأيُ المجوِّز ، ولا لإيقاد النار فيُحمل على التعليل وهو خلافُ الظاهر على أنه يلزَمُ الفصلُ بين العامل والمعمول بالأجنبي على تقدير النصب بأن تغني وهو قوله تعالى : { وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار } إلا أن يُجعل استئنافاً معطوفاً على خبر إن فالوجهُ هو الرفعُ على الخبرية أي دأبُ هؤلاءِ في الكفر وعدمِ النجاة من أخْذِ الله تعالى وعذابه كدأب آلِ فرعون { والذين مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل آلِ فرعونَ من الأمم الكافرة ، فالموصولُ في محل الجر عطفاً على ما قبله وقوله تعالى : { كَذَّبُواْ بآياتنا } بيانٌ وتفسير لدأبهم الذي فعلوا ، على طريق الاستئناف المبني على السؤال كأنه قيل : كيف كان دأبهم ؟ فقيل : كذبوا بآياتنا وقوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ الله } تفسيرٌ لدأبهم الذي فُعل بهم أي فأخذهم الله وعاقبهم ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصاً ، فدأبُ هؤلاء الكفرةِ أيضاً كدأبهم ، وقيل : كذبوا الخ حال من { آل فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ } على إضمار قد أي دأبُ هؤلاء كدأب أولئك وقد كذبوا الخ ، وأما كونه خبراً عن الموصول كما قيل فمما يذهب برونق النظم الكريم ، والالتفاتُ إلى التكلم أولاً للجري على سنن الكبرياء ، وإلى الغَيبة ثانياً بإظهار الجلالة لتربية المهابةِ وإدخالِ الروعة . { بِذُنُوبِهِمْ } إن أريد بها تكذيبُهم بالآيات فالباء للسببية جيء بها تأكيداً لما تفيده الفاء من سببية ما قبلها لما بعدها وإن أريد بها سائرُ ذنوبهم فالباء للملابسة جيء بها للدلالة على أن لهم ذنوباً أخرى أي فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غيرَ تائبين عنها كما في قوله تعالى : { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون } [ التوبة : 55 ] والذنب في الأصل التِلْوُ والتابع ، وسُمّيت الجريمةُ ذنباً لأنها تتلو أي يتبعُ عقابُها فاعلَها { والله شَدِيدُ العقاب } تذييلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله من الأخذ وتكملةٌ له .