تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

وقوله : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } أي : يكاد ينفصل بعضها من بعض ، من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم ، { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ } يذكر تعالى عدله في خلقه ، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه ، كما قال : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } [ الإسراء : 15 ] وقال تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ الزمر : 71 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { تَكَادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَىَ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزّلَ اللّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } .

يقول تعالى ذكره : تَكادُ جهنم تَمَيّزُ يقول : تتفرّق وتتقطع مِنَ الغَيْظِ على أهلها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ ، يقول : تتفرّق .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ ، تكاد يفارق بعضها بعضا وتنفطر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ ، يقول : تفرّق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ ، قال : التميز : التفرّق من الغيظ على أهل معاصي الله ، غضبا لله ، وانتقاما له .

وقوله : كُلّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سألَهُمْ ، يقول جلّ ثناؤه : كلما ألقي في جهنم جماعة سألهم خَزَنَتُها ، ألَمْ يأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، يقول : سأل الفوجَ خزنةُ جهنم ، فقالوا لهم : ألم يأتكم في الدنيا نذيرٌ ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه ؟ فأجابهم المساكين فقالُوا : بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ينذرنا هذا ، فَكَذّبْناهُ وَقُلْنَا له : ما نَزّلَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ إن أنْتُمْ إلاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ . يقول : في ذهاب عن الحقّ بعيد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ} (8)

قوله تعالى : { تكاد تميز من الغيظ } أي يزايل بعضها بعضاً لشدة الاضطراب ، كما قال الشاعر في صفة الكلب المحتدم في جربه : [ الرجز ] :

يكاد أن يخرج عن إهابه{[11207]}*** وقرأ الضحاك : «تمايز » بألف ، وقرأ طلحة : «تتميز » بتاءين ، وقرأ الجمهور : «تكادُ تَميز » بضم الدال وفتح التاء مخففة ، وقرأ البزي «تكادُ » بضم الدال وشد التاء أنها «تتميز » وأدغم إحدى التاءين في الأخرى .

وقرأ أبو عمرو بن العلاء : { تكاد تميز } بإدغام الدال في التاء ، وهذا فيه إدغام الأقوى في الأضعف ، وقوله تعالى : { من الغيظ } معناه على الكفرة بالله ، وقوله تعالى : { كلما ألقي فيها فوج } ، الفوج : الفريق من الناس ، ومنه قوله تعالى :

{ في دين الله أفواجاً }{[11208]} [ النصر : 2 ] الآية ، تقتضي أنه لا يلقى فيها أحد إلا سئل على جهة التوبيخ عن النذر ، فأقر بأنهم جاؤوا وكذبوهم ، وقوله : { كلما } حصر . فإذا الآية تقتضي في الأطفال من أولاد المشركين وغيرهم ، وفيمن نقدره صاحب فترة ، أنهم لا يدخلون النار لأنهم لم يأتهم نذير ، واختلف الناس في أمر الأطفال ، فأجمعت الأمة على أن أولاد الأنبياء في الجنة{[11209]} ، واختلفوا في أولاد المؤمنين ، فقال الجمهور : هم في الجنة ، وقال قوم هم في المشيئة ، واختلفوا في أولاد المشركين ، فقالت فرقة : هم في النار ، واحتجوا بحديث روي من آبائهم{[11210]} ، وتأول مخالف هذا الحديث ، أنهم في أحكام الدنيا ، وقال : هم في المشيئة ، وقال فريق : هم في الجنة ، واحتج هذا الفريق بهذه الآية في مساءلة الخزنة ، وبحديث وقع في صحيح البخاري في كتاب التفسير ، يتضمن أنهم في الجنة{[11211]} . وبقوله عليه السلام : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه{[11212]} ، فالأطفال لم يبلغوا أن يصنع بهم شيء من هذا » .


[11207]:الإهاب: الجلد المغلف لجسم الحيوان قبل أن يدبغ، وهذا نوع من التجوز يدل على شدة النشاط ف العدو، وجمع الإهاب: أهب.
[11208]:من الآية 2 من سورة النصر.
[11209]:سقطت العبارة التي بين العلامتين (...) في جميع النسخ، ولم تثبت إلا في النسخة التونسية.
[11210]:أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد، وكذلك أخرجه أبو داود في الجهاد، وابن ماجه في الفتن، ولفظه كما في صحيح مسلم عن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: لو أن خيلا أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين، قال: (هم من آبائهم)، وفي رواية ذكرها مسلم أيضا (هم منهم)، وواضح من الحديث أن هذا الحكم في الدنيا. ولهذا أثبتنا الحديث كما في صحيح مسلم، وإلا فقد ورد في النسخ الأصلية (هم مع آبائهم)، وزاد بعض النسخ (هم مع آبائهم في النار).
[11211]:هو حديث طويل ذكره الإمام البخاري في آخر كتاب التعبير عن سمرة بن جندب، وفيه يقص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رؤيا رآها في المنام، وفيها أنه رأى رجلا طويلا وحوله ولدان، وفسر الملكان ما رأى فقالا: إن هذا الرجل هو إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال الراوي: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأولاد المشركين). ومعنى ذلك أنهم في الجنة لأنهم ماتوا على الفطرة.
[11212]:أخرجه أبو يعلى في مسنده، والطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن، عن الأسود ابن سريع، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح.