تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ثم قال : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق . ومعنى الآية : أنه أوجد الخلائق من العدم ، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا ؟ كما قال : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } [ البقرة : 28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم - موتًا ، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا خُلَيْد ، عن قتادة في قوله : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " .

ورواه مَعْمَر ، عن قتادة{[29105]} .

وقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } أي : خير عملا ، كما قال محمد بن عَجْلان : ولم يقل أكثر عملا .

ثم قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } أي : هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب ، بعدما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا ، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .


[29105]:- (1) ورواه الطبري في تفسيره (29/2) من طريق معمر، عن قتادة، ومن طريق سعيد، عن قتادة به مرسلاً.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وقوله : الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ ، فأمات من شاء وما شاء ، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم ، لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً ، يقول : ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع ، وإلى طلب رضاه أسرع .

وقد حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ قال : أذلّ الله ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء ، وجعل الاَخرة دار جزاء وبقاء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوكُمُ ، ذكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ اللّهَ أذَلّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ » .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ ، يقول : وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه ، وخالف أمره ، الغَفُورُ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

و { الموت والحياة } معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر ، وما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم : «يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط {[11201]} » ، فقال أهل العلم : ذلك تمثال كبش يوقع الله عليه العلم الضروري لأهل الدارين ، إنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا ، ويكون ذلك التمثال حاملاً للموت على أنه يحل الموت فيه ، فتذهب عنه حياة ، ثم يقرن الله تعالى بذبح ذلك التمثال إعدام الموت . وقوله تعالى : { خلق الموت والحياة ليبلوكم } أي ليختبركم في حال الحياة ، ويجازيكم بعد الموت ، وقال أبو قتادة نحوه عن ابن عمر : قلت يا رسول الله : ما معنى قوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } فقال : «يقول : أيكم أحسن عقلاً ، وأشدكم لله خوفاً ، وأحسنكم في أمره ونهيه نظراً ، وإن كانوا أقلكم تطوعاً » . وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن بن أبي الحسن : { أيكم أحسن عملاً } أزهدكم في الدنيا . وقوله تعالى : { ليبلو } دال على فعل تقديره : فينظر أو فيعلم أيكم ، وقال جماعة من المتأولين : الموت والحياة ، عبارة عن الدنيا والآخرة ، سمى هذه موتاً من حيث إن فيها الموت ، وسمى تلك الحياة من حيث لا موت فيها ، فوصفهما بالمصدرين على تقدير حذف المضاف ، كعدل وزور ، وقدم { الموت } في اللفظ ، لأنه متقدم في النفس هيبة وغلظة .


[11201]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في تفسير سورة مريم، ومسلم في الجنة، والترمذي في تفسير سورة مريم، والدارمي في الرقاق، وأحمد في مسنده (2/377، 433،3/9)، ولفظه كما في المسند (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بالموت يوم القيامة كبشا أملح، فيقال: يا أهل الجنة، تعرفون هذا؟ فيطلعون خائفين مشفقين، قال: يقولون: نعم، قال: ثم ينادي أهل النار: تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، قال: فيذبح، ثم يقال: خلود في الجنة، خلود في النار)، وفي رواية البخاري (ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة)، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا (وهم لا يؤمنون).