تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته ، كما قال تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ الرعد : 5 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 77 - 79 ] ، وقال هاهنا : { وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } يستدل ، تعالى ، بالبداءة على الإعادة ، يعني أنه ، تعالى [ قد ]{[19012]} خلق الإنسان ولم يك شيئًا ، أفلا يعيده وقد صار شيئًا ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وفي الصحيح : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره ، وأما أذاه إياي فقوله : إن لي ولدًا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد{[19013]} ولم يكن له{[19014]} كفوًا أحد " {[19015]} .


[19012]:زيادة من ف، أ.
[19013]:في ت، ف، أ: "ألد ولم أولد".
[19014]:في ف، أ: "لي".
[19015]:صحيح البخاري برقم (4975).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } .

يقول تعالى ذكره : ويقولُ الإنسانُ الكافر الذي لا يصدق بالبعث بعد الموت : أخرج حيا ، فأُبعث بعد الممات وبعد البلاء والفناء إنكارا منه ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

{ ويقول الإنسان } المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك : بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم ، أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظاما بالية ففتها وقال : يزعم محمد أننا نبعث بعدما نموت . { أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } من الأرض أو من حال الموت ، وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة ، وانتصابه بفعل دل عليه أخرج لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها ، وهي ها هنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا ألله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال . وروي عن ابن ذكوان إذا ما مت بهمزة واحدة مكسورة على الخبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

{ الإنسان } اسم للجنس يراد به الكافر ، وروي أن سبب هذه الآية هو أن رجالاً من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه ، وذكر أن القائل هو أبي خلف جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم مرفت فنفخ فيه وقال أيبعث هذا وكذب وسخر ، وقيل إن القائل هو العاصي بن وائل ، وقرأ الأعرج وأبو عمرو «ائذا مامت » بالاستفهام الظاهر ، وقرأت فرقة «إذا » دون ألف استفهام وقد تقدم هذا مستوعباً{[8003]} ، وقرأت فرقة بكسر الميم ، وقرأت فرقة «مُت » بضمها . واللام في قوله { لسوف } مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلاً قال للكافر إذا مت يا فلان لسوف تخرج حياً فقرر الكافر على الكلام على جهة الاستبعاد وكرر اللام حكاية للقول الأول{[8004]} . وقرأ جمهور الناس «أُخرَج » بضم الهمزة وفتح الراء ، وقرأ الحسن بخلاف وأبو حيوة «أَخرُج » بفتح الهمزة وضم الراء .


[8003]:قرأ الجمهور [أئذا]، وقرأ ابن زكوان وجماعة [إذا] على الخبر، وقد تقرر ذلك في كثير من الآيات، وقد قال أبو حيان في البحر المحيط: "ومن قرأ من القراء على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة لأن ذلك يكون تصديقا بما هو موضع الاستفهام والإنكار، لكنه يحزف همزة الاستفهام لدلالة المعنى عليه".
[8004]:نقل أبو حيان الأندلسي هذا الكلام في البحر المحيط، ثم عقب عليه بقوله: "ولا يحتاج إلى هذا التقدير، ولا إلى أن هذا حكاية لقول تقدم، بل هذا من الكافر استفهام فيه معنى الجحد والإنكار، ومن قرأ : {إذا ما مت} تكون الهمزة قد حذفت لدلالة المعنى عليها، وقد يكون إخبارا على سبيل الهزء والسخرية بمن يقول ذلك إذ لم يرد به مطابقة اللفظ للمعنى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

لما تضمن قوله { فاعبده واصطبر لعبادته } [ مريم : 65 ] إبطالَ عقيدة الإشراك به ناسب الانتقالُ إلى إبطال أثر من آثار الشرك . وهو نفي المشركين وقوع البعث بعد الموت حتى يتمّ انتقاض أصلي الكفر . فالواو عاطفة قصة على قصة ، والإتيان بفعل { يَقول } مضارعاً لاستحضار حالة هذا القول للتعجيب من قائله تعجيب إنكار .

والمراد بالإنسان جَمع من الناس بقرينة قوله بعده { فوربك لنحشرنهم } [ مريم : 68 ] ، فيراد من كانت هاته مقالتَه وهم معظم المخاطبين بالقرآن في أوّل نزوله . ويجوز أن يكون وصفٌ حُذف ، أي الإنسان الكافر ، كما حذف الوصفُ في قوله تعالى : { يأخذ كل سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، أي كلّ سفينة صالحة ، فتكون كقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه } [ القيامى : 3 ، 4 ] . وكذلك إطلاق الناس على خصوص المشركين منهم في آيات كثيرة كقوله تعالى : { يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } [ البقرة : 21 ] إلى قوله { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ] فإن ذلك خطاب للمشركين . وقيل تعريف { الإنسان } للعهد لإنسان معين . فقيل ، قائل هذا أُبَي بن خلف ، وقيل : الوليد بن المغيرة .

والاستفهام في { أإذا ما متّ لسوف أخرج حياً } إنكار لتحقيق وقوع البعث ، فلذلك أتي بالجملة المسلّطِ عليها الإنكار مقترنةً بلام الابتداء الدالة على توكيد الجملة الواقعة هي فيها ، أي يقول لا يكون ما حققتموه من إحيائي في المستقبل .

ومتعلق { أُخرَجُ } محذوف أي أُخرج من القبر .

وقد دخلت لام الابتداء في قوله { لسَوفَ أُخرَجُ حيّاً } على المضارع المستقبل بصريح وجود حرف الاستقبال ، وذلك حجّة لقول ابن مالك بأن لام الابتداء تدخل على المضارع المراد به الاستقبال ولا تخلصه للحال . ويظهر أنه مع القرينة الصريحة لا ينبغي الاختلاف في عدم تخليصها المضارع للحال ، وإن صمّم الزمخشري على منعه ، وتأول ما هنا بأنّ اللام مزيدة للتوكيد وليست لام الابتداء ، وتأوله في قوله تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] بتقدير مبتدأ محذوف ، أي ولأنت سوف يعطيك ربّك فترضى ، فلا تكون اللام داخلة على المضارع ، وكلّ ذلك تكلّف لا مُلجىء إليه .