تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له ، كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فَليفرد بالعبادة{[24448]} ، ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ؛ ولهذا قال : { لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }{[24449]} ، أي : فكيف تؤفكون{[24450]} بعد هذا البيان ، ووضوح هذا البرهان ، وأنتم بعد هذا تعبدون الأنداد والأوثان ؟ .


[24448]:- (7) في أ : "بالعبادة وحده".
[24449]:- في س، أ : "يؤفكون".
[24450]:- في س، أ : "يؤفكون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمشركين به من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُرَيش : يَا أيّهَا الناسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ التي أنعمها عَلَيْكُم بفتحه لكم من خيراته ما فتح وبَسْطِه لكم من العيش ما بسط وفكّروا فانظروا هل من خالق سوى فاطر السموات والأرض الذي بيده مفاتيح أرزاقكم ومغالقها يَرْزُقُكُم مِنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فتعبدوه دونه لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول : لا معبود تنبغي له العبادة إلا الذي فطر السموات والأرض ، القادر على كلّ شيء ، الذي بيده مفاتح الأشياء وخزائنها ، ومغالق ذلك كله ، فلا تعبدوا أيها الناس شيئا سواه ، فإنه لا يقدر على نفعكم وضرّكم سواه ، فله فأخلصوا العبادة ، وإياه فأفردوا بالألوهة فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول : فأيّ وجه عن خالقكم ورازقكم الذي بيده نفعكم وضرّكم تصرفون ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأنّى تُؤْفَكُونَ يقول الرجل : إنه ليوفك عنى كذا وكذا .

وقد بيّنت معنى الإفك ، وتأويل قوله : تُؤْفَكُونَ فيما مضى بشواهده المغنية عن تكريره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ثم لما بين أنه الموجد للملك والملوك والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال : { يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم } احفظوا بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاقة موليها ، ثم أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله : { هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به ، ورفع { غير } للحمل على محل { من خالق } بأنه وصف أو بدل ، فإن الاستفهام بمعنى النفي ، أو لأنه فاعل { خالق } وجره حمزة والكسائي حملا على لفظه ، وقد نصب على الاستثناء ، و { يرزقكم } صفة ل { خالق } أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ ، وعلى الأخير يكون إطلاق { هل من خالق } مانعا من إطلاقه على غير الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

وقوله { يا أيها الناس } خطاب لقريش وهو متجه لكل كافر ، ولا سيما لعباد غير الله ، وذكرهم تعالى بنعمة الله عليهم في خلقهم وإيجادهم ، ثم استفهمهم على جهة التقرير والتوقيف بقوله { هل من خالق غير الله } أي فليس إله إلا الخالق لا ما تعبدون أنتم من الأصنام ، وقرأ حمزة والكسائي «غيرِ » بالخفض نعتاً على اللفظ وخبر الابتداء { يرزقكم } وهي قراءة أبي جعفر وشقيق وابن وثاب ، وقرأ الباقون غير نافع بالرفع ، وهي قراءة شيبة بن نصاح وعيسى والحسن بن أبي الحسن ، وذلك يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها النعت على الموضع والخبر مضمر تقديره في الوجود أو في العالم وأن يكون «غيرُ » خبر الابتداء الذي هو في المجرور والرفع على الاستثناء ، كأنه قال هل خالق إلا الله ، فجرت «غير » مجرى الفاعل بعد { إلا }{[9690]} ، وقوله { من السماء } يريد بالمطر ومن { الأرض } يريد بالنبات ، وقوله { فأنى تؤفكون } معناه فلأي وجه تصرفون عن الحق .


[9690]:قال أبو حيان في (البحر المحيط):"وفي هذا نظر، وهو أن اسم الفاعل أو ما جرى مجراه إذا اعتمد على أداة الاستفهام وأجري مجرى الفعل فرفع ما بعده، هل يجوز أن تدخل عليه (من) التي للاستغراق، فتقول: هل من قائم الزيدون؟ كما تقول: هل قائم الزيدون؟ والظاهر أنه لا يجوز، ألا ترى أنه إذا أجري مجرى الفعل لا يكون فيه عموم خلافه إذا أدخلت عليه(من)، ولا أحفظ مثله في لسان العرب، وينبغي ألا يقدم على إجازة مثل هذا إلا بسماع من كلام العرب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

{ ياأيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء والأرض } .

لما جرى ذكر رحمة الله التي تعم الناس كلهم أقبل على خطابهم بأن يتذكروا نعمة الله عليهم الخاصة وهي النعمة التي تخص كل واحد بخاصته فيأتلف منها مجموع الرحمة العامة للناس كلهم وما هي إلا بعض رحمة الله بمخلوقاته .

والمقصود من تذكر النعمة شكرها وقدرها قدرها . ومن أكبر تلك النعم نعمة الرسالة المحمدية التي هي وسيلة فوز الناس الذين يتبعونها بالنعيم الأبدي . فالمراد بالذكر هنا التذكر بالقلب وباللسان فهو من عموم المشترك أو من إرادة القدر المشترك فإن الذكر باللسان والذكر بالقلب يستلزم أحدُهما الآخرَ وإلا لكان الأول هذياناً والثاني كتماناً . قال عمر بن الخطاب : « أفضل من ذكر الله باللسان ذكرُ الله عند أمره ونهيه » ، أي وفي كليهما فضل .

ووصفت النعمة ب { عليكم } لأن المقصود من التذكر التذكر الذي يترتب عليه الشكر ، وليس المراد مطلق التذكر بمعنى الاعتبار والنظر في بديع فضل الله ، فذلك له مقام آخر ، على أن قوله : { هل من خالق غير الله يرزقكم } قد تضمن الدعوة إلى النظر في دليل الوحدانية والقدرة والفضل .

والاستفهام إنكاري في معنى النفي ولذلك اقتَرَن ما بعده ب { مِنْ } التي تُزاد لتأكيد النفي ، واختير الاستفهام ب { هل } دون الهمزة لِما في أصل معنى { هل } من الدلالة على التحقيق والتصديق لأنها في الأصْل بمعنى ( قد ) وتفيد تأكيد النفي .

والاهتمام بهذا الاستثناء قُدّم في الذكر قبل ما هو في قوة المستثنى منه . وجعل صفة ل { خالق } لأن { غير } صالحة للاعتبارين ولذلك جرت القراءات المشهورة على اعتبار { غير } هنا وصفاً ل { خالق } ، فجمهور القراء قرأوه برفع { غير } على اعتبار محلِّ { خالق } المجرور ب { من } لأن محله رفع بالابتداء . وإنما لم يظهر الرفع للاشتغال بحركة حرف الجر الزائد . وقرأه حمزة والكسائي وأبو جعفر وخَلف بالجر على إِتْباع اللفظ دون المحل . وهما استعمالان فصيحان في مثله اهتم بالتنبيه عليهما سيبويه في « كتابه » .

وجملة { يرزقكم } يجوز أن تكون وصفاً ثانياً ل { خالق } . ويجوز أن تكون استئنافاً بيانياً .

وجُعل النفي متوجهاً إلى القيد وهو جملة الصفة كما هي سُنّته في الكلام المقيّد لأن المقصود التذكير بنعم الله تعالى ليشكروا ، ويكون ذلك كناية عن الاستدلال على انتفاء وصف الخالقية عن غيره تعالى لأنه لو كان غيره خالقاً لكان رازقاً إذ الخلق بدون رزق قصور في الخالقية لأن المخلوق بدون رزق لا يلبث أن يصير إلى الهلاك والعدم فيكون خلقه عبثاً ينزه عنه الموصوف بالإِلهية المقتضية للحكمة فكانت الآية مذكرة بنعمتي الإِيجاد والإِمداد .

وزيادة { من السماء والأرض } تذكير بتعدد مصادر الأرزاق ؛ فإن منها سماوية كالمطر الذي منه شراب ، ومنه طُهور ، وسبب نبات أشجار وكَلأٍ ، وكالمَنّ الذي ينزل على شجر خاص من أندية في الجوّ ، وكالضياء من الشمس ، والاهتداء بالنجوم في الليل ، وكذلك أنواع الطير الذي يُصَاد ، كلّ ذلك من السماء .

ومن الأرض أرزاق كثيرة من حبوب وثمار وزيوت وفواكه ومعادن وكلأٍ وكمأة وأسماك البِحار والأنهار .

وفي هذا القيد فائدة أخرى وهي دفع توهم الغفّل أن أرزاقاً تأتيهم من غير الله من أنواع العطايا التي يعطيها بعضهم بعضاً ، والمعاوضات التي يعاوضها بعضهم مع بعض فإنها لكثرة تداولها بينهم قد يلهيهم الشغل بها عن التدبر في أصول منابعها فإن أصول موادها من صنع الله تعالى فآل ما يُعطاه الناس منها إلى أنه من الله على نحو ما عرض للذي حاجَّ إبراهيم في ربه إذ قال له إبراهيم : { ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت } [ البقرة : 258 ] فهذا رجل محكوم بقتله ها أنا ذا أعفو عنه فقد أحييتُه ، وهذا رجل حيّ ها أنا ذا آمر به فيقتل فأنا أميت . فانتقل إبراهيم إلى أن قال له : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } [ البقرة : 258 ] .

{ لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى توفكون } .

هذا نتيجة عقب ذكر الدليل إذ رتّب على انفراده بالخالقية والرازقية انفراده بالإِلهية لأن هذين الوصفين هما أظهر دلائل الإِلهية عند الناس فجملة { لا إله إلا هو } مستأنفة . وفرع عليه التعجيب من انصرافهم عن النظر في دلائل الوحدانية بجملة { فأنى تؤفكون } .

و { أنَّى } اسم استفهام يجيء بمعنى استفهام عن الحالة أو عن المكان أو عن الزمان . والاستفهام عن حالة انصرافهم هو المتعين هنا وهو استفهام مستعمل في التعجيب من انصرافهم عن الاعتراف بالوحدانية تبعاً لمن يصرفهم وهم أولياؤهم وكبراؤهم .

و { تؤفكون } مبنيّ للمجهول من أَفَكَه من باب ضربه ، إذا صرفه وعدل به ، فالمصروف مأفوك . وحذف الفاعل هنا لأن آفكيهم أصناف كثيرون ، وتقدم في قوله تعالى : { قاتلهم الله أنى يؤفكون } في سورة براءة ( 30 ) .