الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط ، ولكن به وبالقلب ، وحفظها من الكفران والغمط وشكرها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها . ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه : اذكر أياديّ عندك . يريد حفظها وشكرها والعمل على موجبها ، والخطاب عام للجميع لأنّ جميعهم مغمورون في نعمة الله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : يريد : يا أهل مكة اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث اسكنكم حرمة ومنعكم من جميع العالم ، والناس يتخطفون من حولكم . وعنه : نعمة الله العافية . وقرىء : «غير الله » بالحركات الثلاث ؛ فالجرّ والرفع على الوصف لفظاً ومحلاً ، والنصب على الاستثناء .

فإن قلت : ما محل { يَرْزُقُكُمْ } ؟ قلت : يحتمل أن يكون له محل إذا أوقعته صفة لخالق وأن لا يكون له محل إذا رفعت محل من خالق ، بإضمار يرزقكم ، وأوقعت يرزقكم تفسيراً له ، أو جعلته كلاماً مبتدأ بعد قوله : { هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله } .

فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الخالق لا يطلق على غير الله تعالى ؟ قلت : نعم إن جعلت { يَرْزُقُكُمْ } كلاماً مبتدأ وهو الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة . وإمّا على الوجهين الآخرين : وهما الوصف والتفسير . فقد يقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض ، وخرج من الإطلاق ، فكيف يستشهد به على اختصاصه ، بالإطلاق ؛ والرزق من السماء المطر ، ومن الأرض النبات { لاَ إله إِلاَّ هُوَ } جملة مفصولة لا محل لها [ من الإعراب ] ، مثل : يرزقكم في الوجه الثالث ، ولو وصلتها كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى ؛ لأن قولك : هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلاّ ذلك الخالق : غير مستقيم : لأن قولك : هل من خالق سوى الله إثبات لله . فلو ذهبت تقول ذلك : كنت مناقضاً بالنفي بعد الإثبات { فأنى تُؤْفَكُونَ } فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك ؟ .