فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعد ولا تحصى ، كما قال : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ } قيل : الخطاب لأهل مكة ونعمة الله عليهم إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم ، وقيل : لجميع الناس ، ونعمة الله عليهم هي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد ، ورفع السماء بلا عماد ، وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه ، وزلفة لديه ، والزيادة في الخلق ، وفتح أبواب الرزق ، ومعنى هذا الذكر هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها وطلب المزيد منها ، ليس المراد ذكرها باللسان فقط ، ولكن المراد ذكرها به وبالقلب ، أي لا تنسوها ، والنعمة هنا بمعنى الإنعام ، وعليه درج الجلال ، وقيل : إنها بمعنى المنعم به ، ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله :

{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْر اللهِ } من زائدة مؤكدة أي لا خالق إلا الله سبحانه وهو استفهام تقرير وإنكار وتوبيخ { يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ } خبر المبتدأ أو جملة مستأنفة أو صفة أخرى لخالق وخبره محذوف ، والرزق من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات وغير ذلك .

{ لا إِلهَ إِلا هُوَ } مستأنفة مسوقة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي فكيف تصرفون وهو مأخوذ من الإفك بالفتح وهو الصرف يقال : ما أفكك عم كذا أي ما صرفك عنه .

وقيل : هو مأخوذ من الإفك بالكسر وهو الكذب ، لأنه مصروف عن الصدق ، قال الزجاج : أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله والبعث وأنتم مقرون بأن الله خلقكم ورزقكم ؟