فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعدّ ولا تحصى { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] ، ومعنى هذا الأمر لهم بالذكر : هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها ، وطلب المزيد منها { هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله } { من } زائدة ، وخالق مبتدأ ، وغير الله صفة له . قال الزجاج : ورفع غير على معنى هل خالق غير الله ؛ لأن «من » زيادة مؤكدة ، ومن خفض غير جعلها صفة على اللفظ . قرأ الجمهور برفع : " غير " ، وقرأ حمزة والكسائي بخفضها ، وقرأ الفضل بن إبراهيم بنصبها على الاستثناء ، وجملة : { يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض } خبر المبتدأ . أو جملة مستأنفة ، أو صفة أخرى لخالق ، وخبره محذوف ، والرزق من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات ، وغير ذلك ، وجملة : { لاَ إله إِلاَّ هُوَ } مستأنفة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام { فأنى تُؤْفَكُونَ } من الأفك بالفتح وهو الصرف ، يقال : ما أفكك عن كذا ، أي ما صرفك ، أي فكيف تصرفون . وقيل : هو مأخوذ من الإفك بالكسر ، وهو الكذب ؛ لأنه مصروف عن الصدق . قال الزجاج ، أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله ، والبعث ، وأنتم مقرّون بأن الله خلقكم ورزقكم .

/خ8