اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

قوله : { ياأيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } لما بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة التي تَسْتَوجبُ الحمد على سبيل التفصيل بين النعمة على سبيل الإجمال فقال : { اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ } وهي مع كونها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله } إشارة إلى نعمة الإيجاد في الابتداء وقال : { يَرْزُقُكُمْ } إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرزق في الانتهاء{[45009]} .

قوله : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله } قرأ الأخوان «غَيْرٍ » بالجر نعتاً «لِخَالِقٍ » على{[45010]} اللّفظ و «مِنْ خَالِقٍ » متبدأ مراد فيه «من » وفي خبره قولان :

أحدهما : هو الجملة من قوله : { يَرْزُقُكُمْ } .

والثاني : أنه محذوف تقديره : «لكم » ونحوه{[45011]} ، وفي «يرزقكم » على هذا وجهان :

أحدهما : أنه صفة أيضاً لخلق فيجوز أن يحكم على مَوْضِعِهِ بالجر اعتباراَ باللفظ وبالرفع اعتباراً بالمَوْضِعِ{[45012]} .

والثَّانِي : أنه مستأنف{[45013]} وقرأ الباقون بالرفع وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه خبر المبتدأ{[45014]} .

والثاني : أنه صفة لخالق على المَوْضِع{[45015]} والخبر إما محذوفٌ وإما «يَرْزُقُكُمْ » .

والثالث : أنه مرفوع باسم الفاعل على جهة الفاعلية لأن اسمَ الفاعل قد اعتمد على أداة الاستفهام{[45016]} إلاَّ أن أبا حيان توقف في مثل هذا من حيث إن اسم الفاعل وإن اعتمد إلا أنه لم يحفظ ( فيه ){[45017]} زيادة «من » قال : فيحتاج مثله إلى سماع{[45018]} ولا يظهر التوقف فإن شروط الزيادة والعمل موجودة ، وعلى هذا الوجه «فَيرْزُقُكُمْ » إما صفة أو مستأنف{[45019]} .

وجعل أبو حيان استئنافه أولى ، قال : لانتفاء صدق «خالق » على غير الله بخلاف كونه صفة فإن الصفة تُقَيَّد فيكون ثَمَّ خالق غير الله لكنه ليس برازقٍ{[45020]} وقرأ الفضلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ النحويّ{[45021]} «غَيْرَ » بالنصب{[45022]} على الاستثناء والخبر «يَرزُقُكُمْ » أو محذوف و «يرزقكم » مستأنفةٌ أو صفةٌ{[45023]} .

فصل

قال المفسرون : هذا استفهام على طريق التنكير كأنه قال : لا خالق غير الله يرزقكم

من السماء والأرض أي من السماء المطر ومن الأرض النبات «لاَ إلَه إلاَّ هُوَ » مستأنف{[45024]} «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » أي فأنى تُصْرَفُونَ عن هذا الظاهر فكيف تشركون المَنْحُوتَ بمن{[45025]} له الملكوت ؟


[45009]:قاله الرازي في ((التفسير الكبير)) 26/4 .
[45010]:ذكرت في الإتحاف 361 والسبعة 534 وزاد المسير 6/474.
[45011]:قاله في البحر 7/300 والتبيان 1073 والكشاف 3/299.
[45012]:البحر 7/300 والكشاف 3/299 والدر 4/363 والتبيان لأبي البقاء العكبري 1073 والبيان لابن الأنباري 2/286 ومشكل إعراب مكي 2/214 .
[45013]:المراجع السابقة.
[45014]:ذكره أبو حيان في بحره 7/300 وكذلك السمين في الدر 4/463.
[45015]:البحر المحيط والدر السابقان والكشاف 3/299 والتبيان 1073 والبيان 2/286 ومشكل الإعراب لمكي 2/214 والقرطبي 14/321.
[45016]:المراجع السابقة عدا القرطبي والكشاف .
[45017]:سقط من ((ب)).
[45018]:بالمعنى من البحر 7/300 والكشاف 3/299 قال: ((فإن قلت: هل فيه دليل على أن الخالق لا يطلق على غير الله تعالى؟ قلت: نعم إن جعلت ((يرزقكم)) كلاما مبتدأ وهو الوجه الثالث وأما على الوجهين الآخرين وهما الوصف والتفسير فقد تقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض)).
[45019]:السابق
[45020]:السابق
[45021]:الكوفي روى عن الكسائي وعنه عبيد الله بن الآملي. غاية النهاية 2/8.
[45022]:ذكرها في المختصر 123.
[45023]:الكشاف 3/299 ومعاني الفراء 2/66 والقرطبي 14/321 والبيان 2/286 والمشكل 2/214 ومعاني الزجاج 4/262.
[45024]:الكشاف 3/299 .
[45025]:الرازي 26/4و5