تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

وقوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : { رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي } أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوتَ إليه إلا أنا وأخي هارون ، { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } قال العَوْفِي ، عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر{[9565]} :

يَا رب فافرق بَيْنَه وبَيْني *** أشدّ ما فَرقْت بَيْن اثنين


[9565]:يقول الأستاذ محمود شاكر حفظه الله: "لعله حبينة بن طريف العكلي". انظر: حاشية تفسير الطبري (10/188).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قَالَ رَبّ إِنّي لآ أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } . .

وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا من قولهم : إنّا لَنْ نَدْخُلَها أبَدا ما دَامُوا فِيها فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ أنه قال عند ذلك ، وغضب من قيلهم لهم داعيا : يا ربّ إنّى لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي يعني بذلك : لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحبّ وأريد من طاعتك واتباع أمرك ونهيك ، إلا على نفسي وعلى أخي . من قول القائل : ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا ، بمعنى : لا أقدر على شيء غيره .

ويعني بقوله : فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ افصل بيننا وبينهم بقضاء منك تقضيه فينا وفيهم فتبعدهم منا ، من قول القائل : فَرَقت بين هذين الشيئين ، بمعنى : فصلت بينهما من قول الراجز :

يا رَبّ فافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْني ***أشَدّ ما فَرَقْتَ بينَ اثنَيْنِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ يقول : اقض بيني وبينهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ يقول : اقض بيننا وبينهم .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : غضب موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له القوم : اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ، فدعا عليهم فقال : رَبّ إنّى لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ وكانت عجْلة من موسى عجلها .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ يقول : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، كل هذا من قول الرجل : اقض بيننا ، فقضى الله جلّ ثناؤه بينه وبينهم أن سماهم فاسقين .

وعنى بقوله : الفاسِقِينَ : الخارجين عن الإيمان بالله وبه ، إلى الكفر بالله وبه . وقد دللنا على أن معنى الفسق : الخروج من شيء إلى شيء ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

{ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } قاله شكوى بثه وحزنه إلى الله سبحانه وتعالى لما خالفه قومه وأيس منهم ، ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليه السلام والرجلان المذكوران وإن كانا يوافقانه لم يثق عليهما لما كابد من تلون قومه ، ويجوز أن يراد بأخي من يواخيني في الدين فيدخلان فيه ، ويحتمل نصبه عطفا على نفسي ، أو على اسم إن ورفعه عطفا على الضمير في { لا أملك } ، أو على محل إن واسمها ، وجره عند الكوفيين عطفا على الضمير في نفسي . { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } بأن تحكم لنا بما نستحقه وتحكم عليهم بما يستحقونه ، أو بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

ولما سمع موسى عليه السلام قولهم ورأى عصيانهم تبرأ إلى الله تعالى منهم ، وقال داعياً عليهم : { رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } يعني هارون ، وقوله : { وأخي } يحتمل أن يكون إعرابه رفعاً إما على الابتداء والتقدير وأخي لا يملك إلا نفسه ، وإما على العطف على الضمير الذي في { أملك } تقديره لا أملك أنا ، ويحتمل أن يكون إعرابه نصباً على العطف على { نفسي } ، وذلك لأن هارون كان يطيع «موسى » فلذلك أخبر أنه يملكه{[4505]} ، وقرأ الحسن «إلا نفسيَ وأخي » بفتح الياء فيهما ، وقوله : { فافرق بيننا } دعاء حرج ، قال السدي ، هي عجلة عجلها موسى عليه السلام ، وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى افصل بيننا وبينهم بحكم وافتح ، فالمعنى احكم بحكم يفرق هذا الاختلاف ويلم الشعث .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل فليس في الدعاء عجلة ، وقال قوم : المعنى «فافرق بيننا وبينهم » في الآخرة حتى تكون منزلة المطيع مفارقة لمنزلة العاصي الفاسق ، ويحتمل الدعاء أن يكون معناه : «فرق بيننا وبينهم » بمعنى أن يقول :«فقدنا وجوههم وفرق بيننا وبينهم » حتى لا نشقى بفسقهم ، وبهذا الوجه تجيء العجلة في الدعاء ، وقرأ عبيد بن عمير «فافرِق » بكسر الراء .


[4505]:- وجوز بعضهم أن يكون مجرورا معطوفا على ياء المتكلم في (نفسي)- ولكن هذا ضعيف على مذهب البصريين. والسر في هذا الحصر {لا أملك إلا نفسي وأخي} أن موسى لم يثق بالرجلين الذين قالا: ادخلوا عليهم الباب، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما عاين من أحوال قومه، ومن تلونهم مع طول الصحبة، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في ثباته وهو هارون- وقيل: أراد بقوله: [وأخي] من يوافقني في الدين لا هارون خاصة. قاله في "البحر المحيط".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

« قال » أي موسى ، مناجياً ربّه أو بمسمع منهم ليوقفهم على عدم امتثالهم أمرَ ربّهم { ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي } ، يجوز أن يكون المعنى لا أقدر إلاّ على نفسي وأخي ، وإنّما لم يعُدّ الرجلين الذين قالا { ادخلوا عليهم الباب } ، لأنّه خشي أن يستهويهما قومهما . والذي في كتب اليهود أنّ هارون كان قد توفّي قبل هذه الحادثة . ويجوز أن يريد بأخيه يوشَع بنَ نون لأنّه كان ملازِمَه في شؤونه ، وسمّاه الله فتاه في قوله : { وإذ قال موسى لفتاه } [ الكهف : 60 ] الآية . وعطفه هنا على نفسه لأنّه كان محرّضاً للقوم على دخول القرية .

ومعنى { افرق بيننا وبين القوم الفاسقين } أن لا تؤاخذنا بجرمهم ، لأنّه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النّجاة ، ولا يصحّ أن يريد الفرق بينهم في الآخرة ؛ لأنّه معلوم أنّ الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم ، ولأنّ براءة موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله ، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضّالين على غلطهم .