تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته ، الدالة على وجوده وانفراده بخلقها ، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ، فقال : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ } يعني به : النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي ، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة ، والأجناس المختلفة ، فيعلموا أنها ما خلقت سُدًى ولا باطلا بل بالحق ، وأنها مؤجلة{[22779]} إلى أجل مسمى ، وهو يوم القيامة ؛ ولهذا قال : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } .


[22779]:- في ت: "وأنهما مؤجلين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ مّا خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمّى وَإِنّ كَثِيراً مّنَ النّاسِ بِلِقَآءِ رَبّهِمْ لَكَافِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أو لم يتفكّر هؤلاء المكذّبون بالبعث يا محمد من قومك في خلق الله إياهم ، وأنه خلقهم ولم يكونوا شيئا ، ثم صرفهم أحوالاً وتارات حتى صاروا رجالاً ، فيعلموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خلقا جديدا ، ثم يجازي المحسن منهم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا يظلم أحدا منهم فيعاقبه بجرم غيره ، ولا يحرم أحدا منهم جزاء عمله ، لأنه العدل الذي لا يجور ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلاّ بالعدل ، وإقامة الحقّ ، وأجل مسمى يقول : وبأجل مؤقت مسمى ، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله ، وبدّل الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهّار ، وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم جاحدون منكرون ، جهلاً منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم ، وغفلة منهم عن الاَخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

{ أو لم يتفكروا في أنفسهم } أو لم يحدثوا التفكر فيها ، أو أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها اقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها . { ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق } متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام ، { وأجل مسمى } تنتهي عنده ولا تبقى بعده . { وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم } بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة . { لكافرون } جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وان الآخرة لا تكون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

ثم أخبر عقب هذا المعنى بأن الحق هو السبب في خلق السماوات والأرض . فيفهم على طريقة الإيجاز والاختصار أن من فكر في نفسه علم حقيقة هذا الخبر ووقف عليه ببصيرة نفسه ، والمعنى الثاني أن تكون النفس ظرفاً للفكرة في خلق السماوات والأرض فيكون قوله { في أنفسهم } تأكيداً لقوله { يتفكروا } كما تقول انظر بعينك واسمع بأذنك ، فقولك بأذنك تأكيد ، وقوله { إلا بالحق } أي بسبب المنافع التي هي حق واجب يريد من الدلالة عليه والعبادة له دون فتور ، والانتصاب للعبرة ومنافع الأرزاق وغير ذلك{[9282]} ، { وأجل } عطف على «الحق » أي وبأجلٍ مسمى وهو يوم القيامة ، ففي الآية إشارة إلى البعث والنشور وفساد بنية من في هذا العالم ، ثم أخبر عن كثير من الناس أنهم كفرة بذلك المعنى فعبر عنه { بلقاء } الله لأن لقاء الله هو عظم الأمر وفيه النجاة أو الهلكة .


[9282]:قال الإمام أبو عبد الله الرازي: " قدم هنا دلائل الأنفس على دلائل الآفاق، وفي قوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} قدم دلائل الآفاق على دلائل الأنفس. وحكمة ذلك أن المفيد يذكر الفائدة على وجه يختارها، فإن فهمت وإلا انتقل إلى الأبين، والمستفيد يفهم أولا الأبين ثم يرتقي إلى الأخفى، وفي قوله: {أو لم يتفكروا} الفعل مسند إلى السامع أي المستفيد، فبدأ تعالى بما يفهم أولا، ثم ارتقى إلى الأخفى الذي يفهم ثانيا، وفي قوله: {سنريهم آياتنا} الفعل مسند إلى المفيد، فذكر أولا الآفاق، فإن لم يفهموا فالأنفس، إذ لا ذهول للإنسان عن دلائلها في ذاته، بخلاف دلائل الآفاق لأنه قد يذهل عنها، وهذا مراعى في الذين يذكرون الله قياما وقعودا، إذ بدأ تعالى بأحوال الأنفس ثم بدلائل الآفاق". 1 هـ بتصرف.