الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

ثم قال تعالى : { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق }أي : أو لم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث في ( خلق ) {[54629]} أنفسهم وأنهم لم يكونوا شيئا ، ثم صاروا رجالا ، وينظروا في لطف الصنع وإحكام تدبير خلقهم فيدل ذلك على توحيد الله ، وعلى أنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، فيعلموا أن الذي فعل ذلك يقدر على أن يعيدهم بعد إفنائهم خلقا جديدا ، فيجازيهم بأعمالهم .

وقوله { إلا بالحق } أي : بالعدل وإقامة الحق . { وأجل مسمى } أي : مؤقت معلوم عنده ، فإذا بلغ آخره أفنى ما أراد منه ، وبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبعث الأموات فبرزوا لله جميعا .

ثم قال تعالى : { وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون } .

أي : لجاحدون منكرون البعث بعد الموت والجزاء على الأعمال ، غفلة منهم وتفريطا في أمر معادهم .

قوله تعالى : { أو لم يتفكروا في أنفسهم } {[54630]} .

" في أنفسهم " ظرف للتفكر ، وليس بمفعول به للتفكر تعدى إليه بحرف جر {[54631]} .

فالمعنى أو لم يتفكروا في أنفسهم فيعلموا أن ما تقدم ذكره حق .

أي : يسروا التفكر وينصفوا من أنفسهم . لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم إنما أمروا أن يسروا التفكر في أنفسهم فهما معنيان .

وفي أنفسهم : تمام الكلام .

وقيل : بل ما بعده متصل به أي : يسروا التفكر في أنفسهم أن ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق {[54632]} .

فأن مضمرة كما قال : { ومن آياته يريكم البرق } {[54633]} أي : أن يريكم وكما قال : { ومن آياته خلق السموات } {[54634]} أي : أن خلق السموات .


[54629]:مثبت في الطرة
[54630]:تقدم تفسير هذه الآية (وهذه إضافة من مكي كأنها استدراك)
[54631]:انظر: الجامع للقرطبي 14/8، وفتح القدير 4/215
[54632]:انظر: الجامع للقرطبي 14/8
[54633]:الروم: آية 23
[54634]:الروم: آية 21