فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

{ أولم يتفكروا ؟ } الهمزة للإنكار عليهم ، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره { في أنفسهم } ظرف للتفكر وليس معفولا للتفكر والمعنى أن أسباب التفكر حاصلة لهم ، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي لعلموا وحدانيته تعالى وصدق أنبيائه ، وقيل إنها مفعول التفكر .

والمعنى أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئا . والأول أولى ، لأن المعنى أو لم يتفكروا في قلوبهم الفارغة من الفكر التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكمة الدالة على التدبير دون الإهمال ، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت يجازي فيه الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها ، جار على الحكمة في التدبير ، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت .

{ وما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما } متعلق بالقول المحذوف ، معناه : أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول . وقيل : معناه فيعلموا لأن في الكلام دليلا عليه ، ( وما ) في ( ما خلق ) نافية أي لم يخلقها { إلا بالحق } الثابت الذي يحق ثبوته أو هي اسم نصب على إسقاط الخافض ، أي : بما خلق الله ويضعف أن تكون استفهامية ، بمعنى النفي ، والباء للسببية ، أو هي ومجرورها في محل النصب على الحال ، أي متلبسة بالحق . قال الفراء : معناه إلا للحق ، أي للثواب والعقاب ، وقيل : بالحق بالعدل ، وقيل : بالحكمة ، وقيل : إنه هو الحق ، وللحق خلقها .

{ وأجل مسمى } للسماوات والأرض وما بينهما تنتهي إليه ، وهو يوم القيامة ، وفي هذا تنبيه على الفناء وأن لكل مخلوق أجلا لا يجاوزه ، وقيل : معناه أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشيء { إن كثيرا من الناس بلقاء ربهم } أي بالبعث بعد الموت { لكافرون } واللام هي المؤكدة والمراد بهؤلاء الكفار على الإطلاق أو كفار مكة .