فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

{ أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ الله السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا } الهمزة للإنكار عليهم ، والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره ، و{ في أنفسهم } ظرف للتفكر وليس مفعولاً للتفكر والمعنى : أن أسباب التفكر حاصلة لهم ، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي لعلموا وحدانية الله وصدق أنبيائه . وقيل : إنها مفعول للتفكر . والمعنى : أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئاً ؟ و{ ما } في { ما خلق الله } نافية ، أي لم يخلقها إلاّ بالحق الثابت الذي يحق ثبوته ، أو هي اسم في محل نصب على إسقاط الخافض ، أي بما خلق الله ، والعامل فيها إما العلم الذي يؤدي إليه التفكر . وقال الزجاج : في الكلام حذف ، أي فيعلموا ، فجعل { ما } معمولة للفعل المقدّر لا للعلم المدلول عليه ، والباء في { إِلاَّ بالحق } إما للسببية ، أو هي ومجرورها في محل نصب على الحال ، أي ملتبسة بالحق . قال الفراء : معناه إلاّ للحق ، أي للثواب ، والعقاب . وقيل بالحق : بالعدل . وقيل : بالحكمة . وقيل : بالحق ، أي أنه هو الحق وللحق خلقها { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } معطوف على الحق ، أي وبأجل مسمى للسماوات والأرض وما بينهما تنتهي إليه ، وهو يوم القيامة ، وفي هذا تنبيه على الفناء ، وأن لكل مخلوق أجلاً لا يجاوزه .

وقيل معنى { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشيء { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الناس بِلِقَاء رَبّهِمْ لكافرون } أي لكافرون بالبعث بعد الموت ، واللام هي المؤكدة ، والمراد بهؤلاء : الكفار على الإطلاق ، أو كفار مكة .

/خ10