وقوله : { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي : اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحَلْفات الآثمة ، ليصدقوا فيما يقولون ، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم ، فاعتقدوا أنهم مسلمون{[28865]} فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون ، وهم من{[28866]} شأنهم أنهم كانوا{[28867]} في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خَبَلا فحصل بهذا القدر ضرر كبير{[28868]} على كثير من الناس ولهذا قال تعالى : { فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ولهذا كان الضحاك بن مُزَاحم يقرؤها : " اتَّخَذُوا إيمَانَهُمْ جُنَّةً " أي : تصديقهم الظاهر جُنَّة ، أي : تقية يتقون به القتل . والجمهور يقرؤها : {[28869]} { أيمانهم } جمع يمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { اتّخَذُوَاْ أَيْمَانَهُمْ جُنّةً فَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِنّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : اتخذ المنافقون أيمانهم جنة ، وهي حلفهم ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً : أي حلفهم جنة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً قال : يجيئون بها ، قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً يقول : حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة .
وقوله : جُنّةً : سترة يسترون بها كما يستر المستجنّ بجنته في حرب وقتال ، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم ، ويدفعون بها عنها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة جُنّةً ليعصموا بها دماءهم وأموالهم .
وقوله : فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ يقول : فأعرضوا عن دين الله الذي بَعَثَ به نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعته التي شرعها لخلقه إنّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : إن هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جُنة ، لكذبهم ونفاقهم ، وغير ذلك من أمورهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: اتخذ المنافقون أيمانهم جنة، وهي حلفهم... وقوله:"جُنّةً": سترة يسترون بها كما يستر المستجنّ بجنته في حرب وقتال، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم، ويدفعون بها عنها...
وقوله: "فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ "يقول: فأعرضوا عن دين الله الذي بَعَثَ به نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعته التي شرعها لخلقه.
"إنّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" يقول: إن هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جُنة، لكذبهم ونفاقهم، وغير ذلك من أمورهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} له تأويلان:
أحدهما: صدوا أي أعرضوا بأنفسهم عن طاعة الله والإيمان برسوله.
والثاني: صدوا الضّعفة عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان...
وقوله تعالى: {إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي بئس ما كانوا يعملون من الإعراض عن الآيات والحجج حين آثروا الكفر على الإيمان...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{اتخذوا أيمانهم جُنَّةً} يجوز أن يراد أنّ قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة، لأنّ الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل: أشهد وأشهد بالله...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
هَذِهِ الْيَمِينُ كَانَتْ غَمُوسًا كَاذِبَةً من عَدِيمِ الْإِيمَانِ؛ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلنَّارِ...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحَلْفات الآثمة، ليصدقوا فيما يقولون، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خَبَلا فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس ولهذا قال تعالى: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(اتخذوا أيمانهم جنة).. وهي توحي بأنهم كانوا يحلفون الأيمان كلما انكشف أمرهم، أو عرف عنهم كيد أو تدبير، أو نقلت عنهم مقالة سوء في المسلمين. كانوا يحلفون ليتقوا ما يترتب على افتضاح أمر من أمورهم، فيجعلون أيمانهم وقاية وجنة يحتمون وراءها، ليواصلوا كيدهم ودسهم وإغواءهم للمخدوعين فيهم. (فصدوا عن سبيل الله).. صدوا أنفسهم وصدوا غيرهم مستعينين بتلك الأيمان الكاذبة: (إنهم ساء ما كانوا يعملون).. وهل أسوأ من الكذب للخداع والتضليل!؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: جعلوا أيمانهم كالجُنّة يتّقي بها ما يَلْحق من أذى...
{فصدوا عن سبيل الله} تفريع لصدهم عن سبيل الله على الحلف الكاذب لأن اليمين الفاجرة من كبائر الإِثم لما فيها من الاستخفاف بجانب الله تعالى ولأنهم لما حلفوا على الكذب ظنوا أنهم قد أمنوا اتّهام المسلمين إياهم بالنفاق فاستمروا على الكفر والمكر بالمسلمين وذلك صدّ عن سبيل الله، أي إعراض عن الأعمال التي أمر الله بسلوكها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
تذكر الآية اللاحقة العلامة الثانية [للمنافقين]: (اتّخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل الله إنّهم ساء ما كانوا يعملون). ذلك لأنّهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويضعون الموانع والعراقيل في طريق هداية الناس، وليس هناك أقبح من أن يمنع الإنسان غيره من الاهتداء...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.