تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

وقوله : { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ } الآية : لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة [ عطبها و ]{[14180]} زوالها ، رغَّب في الجنة ودعا إليها ، وسماها دار السلام أي : من الآفات ، والنقائص والنكبات ، فقال : { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .

قال أيوب عن أبي قِلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيل لي : لتنَمْ عينُك ، وليعقلْ قلبك ، ولتسمع{[14181]} أذنك فنامت عيني ، وعقل قلبي ، وسمعت أذني . ثم قيل : سيّدٌ بَنَى دارًا ، ثم صنع مأدبة ، وأرسل داعيًا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ورضي عنه السيد ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المأدبة ، ولم يرض عنه السيد فالله السيد ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم . {[14182]} وهذا حديث مرسل ، وقد جاء متصلا من حديث الليث ، عن خالد بن يزيد{[14183]} عن سعيد بن أبي هلال ، عن جابر{[14184]} بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال : " إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي ، وميكائيل عند رجلي ، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا . فقال : اسمع سَمعت أذنك ، واعقل عَقَل قلبك ، إنما مَثَلُك ومثل أمَّتك كمثل ملك اتخذ دارا ، ثم بنى فيها بيتًا ، ثم جعل فيها مأدبة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه ، فالله الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، وأنت يا محمد الرسُول ، فمن أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل منها " رواه ابن جرير . {[14185]} وقال قتادة : حدثني خُلَيْد العَصَري ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وبجنَبَتَيْها ملكان يناديان يسمعهما{[14186]} خلق الله كلهم إلا الثقلين : يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم ، إن ما قلَّ وكَفَى ، خير مما كثر وألهى " . قال : وأنزل ذلك في{[14187]} القرآن ، في قوله : { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير . {[14188]}


[14180]:- زيادة من ت ، أ.
[14181]:- في ت : "وليسمع".
[14182]:- رواه الطبري في تفسيره (15/60).
[14183]:- في ت ، أ : "سويد".
[14184]:- في ت : "جبار".
[14185]:- تفسير الطبري (15/61) وعلقه البخاري في الصحيح برقم (7281) ورواه الترمذي في السنن برقم (2860) من طريق قتيبة عن الليث به ، وقال الترمذي : "هذا حديث مرسل ، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله" قال : "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصح من هذا" قلت : رواه البخاري في صحيحه برقم (7281) من طريق يزيد عن سليم بن حيان ، عن سعيد بن أبي ميناء ، عن جابر بن عبد الله بنحوه.
[14186]:- في ت ، أ : "يسمعه".
[14187]:- في ت ، أ : "في ذلك".
[14188]:- تفسير الطبري (15/60) ورواه أحمد في مسنده (5/197) من طريق همام عن قتادة بنحوه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَىَ دَارِ السّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره لعباده : أيها الناس لا تطلبوا الدنيا وزينتها ، فإن مصيرها إلى فناء وزوال كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلاً إلى هلاك وبوار ، ولكن اطلبوا الاَخرة الباقية ، ولها فاعملوا ، وما عند الله فالتمسوا بطاعته ، فإن الله يدعوكم إلى داره ، وهي جنّاته التي أعدّها لأوليائه ، تسلموا من الهموم والأحزان فيها وتأمنوا من فناء ما فيها من النعيم والكرامة التي أعدّها لمن دخلها ، وهو يَهْدى من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم ، وهو الإسلام الذي جعله جلّ ثناؤه سببا للوصول إلى رضاه وطريقا لمن ركبه وسلك فيه إلى جنانه وكرامته . كما :

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : الله السلام ، وداره الجنة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَاللّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السّلامِ قال : الله هو السلام ، وداره الجنة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «قيلَ لي : لِتَنمْ عَيْنُكَ ، وَلْيَعْقَلْ قَلْبُكَ ، وَلْتَسْمَعْ أذُنُكَ فَنامَتْ عَيْنِي ، وَعَقَلَ قَلْبِي ، وَسَمَعَتْ أُذُنِي . ثُمّ قِيلَ : سَيّدٌ بَنِي دَارا ، ثمّ صَنَعَ مَأْدُبَةً ، ثُمّ أرْسَلَ دَاعيا ، فَمَنْ أجابَ الدّاعِيَ دَخَلَ الدّارَ وأكَلَ مِنَ المَأدُبَة وَرَضيَ عَنْهُ السّيّدُ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدّارَ ولَمْ يَأْكُلْ مِنَ المَأْدُبَةِ ولَمْ يَرْضَ عَنْهُ السّيّدُ ، فالله السّيّدُ ، والدّارُ الإسلامُ والمَأدُبَةُ الجَنّةُ ، والدّاعِي مُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : واللّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السّلامِ ويَهْدِي مَنْ يشَاءُ إلى صِراط مُسْتَقِيم ذُكر لنا أن في التوراة مكتوبا : يا باغي الخير هلمّ ويا باغي الشرّ انته

حدثني الحسين بن سلمة بن أبي كبشة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، قال : ثني خليد العصري ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيهِ شَمْسُهُ إلاّ وبِجَنْبَتَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّهِ كَلّهُمْ إلاّ الثّقَلَيْنِ : يا أيها النّاسُ هَلُمّوا إلى رَبّكُمْ ، إنّ ما قَلّ وكَفَى خَيْرٌ مِمّا كَثُرَ وألْهَى » . قال : وأنزل ذلك في القرآن في قوله : واللّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السّلامِ ويَهْدي مَنْ يَشاءُ إلى صِراط مُسْتَقِيم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : «إنّي رأيْتُ فِي المنَامِ كأنّ جِبْرَائِيلَ عِنْدَ رأسِي وَمِيكائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيّ ، يَقُولُ أحَدُهُما لِصَاحِبِه : اضْرِبْ لَهُ مَثَلاً فقال : اسْمَعْ سَمِعَتُ أُذُنُكَ ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ ، إنّما مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمّتِكَ كمَثَلِ مَلِكٍ اتّخَذَ دَارا ثُمّ بَنى فِيها بَيْتا ثُمّ جَعَلَ فِيها مَأْدُبَةً ثُمّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النّاسَ إلى طَعامِهِ ، فَمِنُهُمْ مَنْ أجابَ الرّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ فاللّهُ المَلِكُ ، والدّارُ الإسْلامُ ، والبَيْتُ الجَنّةُ ، وأنتَ يا مُحَمّدُ الرّسُولُ مِنْ أجابَكَ دَخَلَ الإسْلامَ ، وَمَنْ دَخَلَ الإسْلاَمَ دَخَلَ الجَنّةَ ، وَمَنْ دَخَلَ الجَنّةَ أكَلَ مِنْهَا » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

{ والله يدعو إلى دار السلام } دار السلام من التقضي والآفة ، أو دار الله وتخصيص هذا الاسم أيضا للتنبيه على ذلك ، أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة . { ويهدي من يشاء } بالتوفيق . { إلى صراط مستقيم } هو طريقها وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى ، وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده .