تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ} (5)

ثم قال : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس ، وغيره : يعني المنافقين ، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ؛ ولهذا قال : { لِلْمُصَلِّينَ } أي : الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ، ثم هم عنها ساهون ، إما عن فعلها بالكلية ، كما قاله ابن عباس ، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا ، فيخرجها عن وقتها بالكلية ، كما قاله مسروق ، وأبو الضحى .

وقال عطاء بن دينار : والحمد لله الذي قال : { عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل : في صلاتهم ساهون .

وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا ، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به ، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها ، فاللفظ يشمل هذا كله ، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية . ومن اتصف بجميع ذلك ، فقد تم نصيبه منها ، وكمل له النفاق العملي . كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يَرْقُب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " {[30564]} فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى ، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها ، وهو وقت كراهة ، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب ، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ؛ ولهذا قال : " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " . ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس ، لا ابتغاء وجه الله ، فهو إذًا لم يصل بالكلية . قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 142 ] . وقال هاهنا : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ }


[30564]:- (2) صحيح مسلم برقم (622) ولم أقع عليه في صحيح البخاري، ولم يعزه المزي له في تحفة الأشراف.