قال سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } : «الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا »{[60933]} .
وقيل : لا يتمُّون ركوعها ، ولا سجودها .
وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في سجوده . وقال قطربٌ : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله ، وفي قراءة عبد الله : «الذين هم عن صلاتهم لاهون »{[60934]} .
[ وعن ابن عباس أيضاً : هم المنافقون يتركون الصلاة سراً ، ويصلونها علانية{ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } الآية ، وهذا يدل على أنها في المنافقين قوله : { الذين هُمْ يُرَآءُونَ } ، ورواه ابن وهب عن مالك رضي الله عنه ]{[60935]} .
قال ابن عبَّاس : ولو قال : «في صلاتهم ساهون » لكانت في المؤمنين{[60936]} ، وقال عطاء : الحمد لله الذي قال : { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل : في صلاتهم ، فدل على أن الآية في المنافقين{[60937]} .
قال الزمخشريُّ{[60938]} : فإن قلت : أي فرق بين قوله تعالى : { عَن صَلاَتِهِمْ } وبين قوله : «في صلاتهم » ؟
قلت : معنى «عَنْ » أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، أو الفسقة الشطار من المسلمين ، ومعنى «فِي » أن السَّهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان ، أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه إنسان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقع له السَّهْوُ في صلاته فضلاً عن غيره .
قال ابن الخطيب{[60939]} : قال كثير من العلماء : إنه صلى الله عليه وسلم ما سها في صلاته ، لكن أذن الله له في ذلك الفعل بياناً للتشريع في فعل السَّاهي ، ثم بتقدير وقوع السهو منه ، فالسهو على أقسام :
أحدها : سهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه ، وذلك يجبر بالسنن تارة ، وبالسُّنن والنوافل تارة .
والثاني : ما يكثر في الصلاة من الغفلة ، وعدم استحضار النِّيَّة ، وهذا يقع كثيراًَ .
والثالث : ترك الصَّلاة ، لا إلى قضاء الإخراج من الوقت ، ومن ذلك صلاة المُنافق ؛ لأنه يستهزئ بالدين ، والفرق بين المُنافق والمُرائي : أنَّ المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان ، والمرائي : إنما يظهرُ زيادة الخُشُوع ليعتقد من يراه دينه ، أو يقال : إن المنافق لا يصلي سراً ، والمرائي تكون صلاته عند النَّاس .
قال ابن العربي : السَّلامة عند السَّهو محال .
قوله : { الذين هُمْ يُرَآءُونَ } ، أي : يُري الناس أنه يصلي طاعة ، وهو يصلي تقيَّة كالفاسق ، يري أنه يصلي عبادة ، وهو يصلي ليقال : إنه يصلي ، وحقيقة الرِّياء : طلب ما في الدنيا بالعبادة ، وأصله : طلب المنزلةِ في قُلوب الناس ، وهو من وجوه :
أولها : تحسين السَّمت ، يريد بذلك الجاه ، والثناء .
وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ليتشبه بالزهادِ .
وثالثها : إظهار السخط على الدنيا ، وإظهار الوعظ ، والتأسّف على فوات الخير والطاعة .
ورابعها : إظهار الصلاة ، والصدقة ، وتحسين الصلاة ؛ لأجل رؤية الناس ، وغير ذلك مما يطول ذكره .
لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض ؛ لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله صلى الله عليه وسلم : «ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ » ، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين ، ويستحق تاركها الذم ، والمَقْت ، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها ، وأما التطوع فحقه أن يخفى ؛ لأنه مما لا يلام بتركه ، ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً ، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه ، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.