لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ} (5)

ثم نعتهم فقال تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } روى البغوي بسنده عن سعد قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال : " إضاعة الوقت " وقال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ، ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم ، لقوله تعالى { الذين هم يراؤون } وقال تعالى في وصف المنافقين :{ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس }[ النساء : 142 ] ، وقيل ساه عنها : لا يبالي صلى أو لم يصل . وقيل : لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ، ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا . وقيل : غافلون عنها ، ويتهاونون بها . وقيل : هم الذين إن صلوا صلوها رياء ، وإن فاتتهم لم يندموا عليها . وقيل : هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ، ولا سجودها . وقيل : لما قال تعالى { عن صلاتهم ساهون } بلفظة ( عن ) علم أنها في المنافقين ، والمؤمن قد يسهو في صلاته ، والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها ، ويكون فارغاً عنها ، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال ، وجبره بسجود السهو ، فظهر الفرق بين السّهوين . وقيل : السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسياً لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة ، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة ، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته ، وأنها عليه واجبة ، ويرجو الثواب على فعلها ، ويخاف العقاب على تركها ، فقد يحصل له سهو في الصّلاة ، يعني أن يصير ساهياً في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد ، ثم يذهب ذلك الوارد عنه ، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق ، والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن .