تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

ثم ذكر تعالى الأرض ، وما جعل فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات ، لتقر الأرض ولا تميد ، أي : تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ؛ ولهذا قال : { وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [ النازعات : 32 ] .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن قتادة ، سمعت الحسن يقول : لما خُلقت الأرض كانت تميد ، فقالوا ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدًا فأصبحوا وقد خُلقت الجبال ، لم{[16369]} تدر الملائكة مِمّ خلقت الجبال{[16370]} .

وقال سعيد عن قتادة ، عن الحسن ، عن قيس بن عُبَادة : أن الله تعالى لما خلق الأرض ، جعلت تمور ، فقالت الملائكة : ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدًا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج بن مِنْهَال ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حَبِيب ، عن علي بن أبي طالب{[16371]} ، رضي الله عنه ، قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : أي رَب ، تجعل عليَّ بني آدم يعملون عليّ الخطايا ويجعلون عليّ الخبث ؟ قال : فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان إقرارها كاللحم يترجرج . {[16372]} {[16373]} .

وقوله : { وَأَنْهَارًا وَسُبُلا } أي : وجعل فيها أنهارًا تجري من مكان إلى مكان آخر ، رزقًا للعباد ، ينبع في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر ، فيقطع البقاع والبراري والقفار ، ويخترق{[16374]} الجبال والآكام ، فيصل إلى البلد الذي سُخِّر لأهله . وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة ، وجنوبًا وشمالا وشرقًا وغربًا ، ما بين صغار وكبار ، وأودية تجري حينًا وتنقطع{[16375]} في وقت ، وما بين نبع وجمع ، وقوي السير وبطيئه ، بحسب ما أراد وقدر ، وسخر ويسر فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

وكذلك جعل فيها سبلا أي : طرقًا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد ، حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون{[16376]} ما بينهما ممرًا ومسلكًا ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا } [ الأنبياء : 31 ] .


[16369]:في ت، ف: "فلم".
[16370]:تفسير عبد الرزاق (1/306).
[16371]:في أ: "طلحة".
[16372]:في أ: "ترجرج".
[16373]:تفسير الطبري (14/62).
[16374]:في ت، ف: "ويخرق".
[16375]:في ت: "وتقطع".
[16376]:في أ: "ليكون".