البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

ماد : تحرك ودار .

قيل : خلق الله الأرض فجعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقر أحد على ظهرها ، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ، لم تدر الملائكة مم خلقت .

وعطف وأنهاراً على رواسي .

ومعنى ألقى : جعل ، ألا ترى إلى قوله : { ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً } وقوله : وجعل فيها رواسي ، من فوقها .

وقال { وألقيت عليك محبة مني } أي : جعلت .

وقال ابن عطية : قال المتأولون : ألقى بمعنى خلق وجعل ، وهي عندي أخص من خلق وجعل ، وذلك أن ألقى يقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه ، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن ، عن قيس بن عباد : أنّ الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور إلى آخر الكلام السابق ، وهو أيضاً مروي عن وهب بن منبه .

وقال ابن عطية أيضاً : وقوله : وأنهاراً ، منصوب بفعل مضمر تقديره : وجعل ، أو خلق أنهاراً .

أو إجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى ، ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار انتهى .

وأي إجماع في هذا ، وقد حكى عن المتأولين أنّ ألقى بمعنى خلق وجعل ، وقال الزمخشري : وأنهاراً ، وجعل فيها أنهاراً لأنّ ألقى فيه معنى جعل .

ألا ترى إلى قوله : { ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً } وقال أبو البقاء : أي وشق أنهاراً وعلامات أي : وضع علامات ، ويجوز أن يعطف على رواسي .

وقال أبو عبد الله الرازي : ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال ، فلهذا السبب أتبع ذكرها بتفجير الأنهار ، وسبلاً طرقاً إلى مقاصدكم لعلكم تهتدون بالسبل إلى مقاصدكم ، هذا هو الظاهر ، ويدل عليه ما بعده .

وقال تعالى : وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون .

وقيل : تهتدون أي : بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها ، فهو من الهداية إلى الحق ، ودين الله .