تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

الآية 15 : وقوله تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } أي ألقى في الأرض رواسي لئلا تميد بكم ، لأنها بسطت على الماء ، فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة في الماء ، فأثبتها بالجبال لتقر بأهلها .

لكن لو كان على ما ذكروا أنها بسطت على الماء لكانت لا تكفأ ، ولا تضطرب ، ولكنها تسرب في الماء ، وتنهار فيه ، لأن من طبعها التسفل والتسرب في الماء ، إلا أن يقال : [ إن الله ]{[10101]} عز وجل جعل بلطفه طبعها طبع ما يضطرب ، ويكفأ .

فعند ذلك يحتمل ما ذكروا ، والله أعلم .

ولو قالوا : إنها بسطت على الريح لكان يحتمل ما قالوا ، ويكون أشبه بقولهم ، ألا ترى أن السراج في الآبار والسروب ، لا يضيء ، بل يطفأ ، كلما أسرج ؛ فيشبه أن يكون انطفاؤه بريح ، يكون في الأرض ، وقد ذكرنا هذا في ما تقدم ، والله أعلم بذلك .

وقال بعضهم : بسطت على ظهر الثور ، فكانت تضطرب بتحركه ، فارساها بما ذكر ، والله أعلم .

ثم قوله : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا } يخرج ذكر ذلك منه مخرج {[10102]} الامتنان ؛ ذكر النعمة لأن له أن يترك الأرض على ما خلقها ، ولا يثبتها بالجبال لتميد بأهلها ، ويميلها {[10103]} فلا يقدروا على القرار عليه والانتفاع بها . لكنه بفضله ومنه أثبتها بالجبال ليُقروا عليها ، ويقدروا على الانتفاع بها .

وكذلك له ألا يجعل لهم فيها أنهارا جارية ، فتكون مياههم{[10104]} من آبارها . وكذلك له أن يحوجهم بأنواع الحوائج ، ثم لا يبين لهم الطرق والسبل التي تفضي إلى البلدان والأمكنة التي فيها تقضى حوائجهم . وكذلك بفضله جعل لهم في الأرض أنهارا جارية ، وأثبت الأرض بالرواسي ليقروا عليها . وذلك كله بمنه وفضله .

وقوله تعالى : { لعلكم تهتدون } الطرق والسبل التي [ تفضي بكم ]{[10105]} إلى الحوائج . ويحتمل { تهتدون } الهدى المعروف بما{[10106]} ذكر من نعمه ومننه ، والله أعلم .


[10101]:في الأصل: الله، في م: إنه.
[10102]:في الأصل و م: ذكر.
[10103]:من م، في الأصل تمليها.
[10104]:من م، في الأصل: مياهه.
[10105]:في الأصل و م : تقضيهم.
[10106]:من م، في الأصل: عما.