تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

3

المفردات :

رواسي : جمع راسية وراس ، وهي : الثوابت في الأرض من الجبال .

أن تميد بكم : يعني : لئلا تميد بكم ، والميد : هو الحركة والاضطراب يمينا وشمالا .

سبلا : طرقا .

التفسير :

{ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون } .

تستمر سورة النحل التي تسمى : سورة النعم ، في عرض أنعم الله على عباده فتقول :

{ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } .

أي : حفظ الله توازن الأرض ، وثباتها وعدم اضطرابها ؛ بالجبال الراسيات الثوابت .

قال أبو السعود في تفسيره :

إن الأرض كانت كرة خفيفة قبل أن تخلق فيها الجبال ، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب ، فلما خلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز ، فصارت كالأوتاد لها . اه .

وقد امتن الله على عباده بالجبال في أكثر من آية ، فالجبال كالأوتاد في حفظ الأرض ، وتحفظ الماء في رءوسها في فصل الشتاء ؛ ليسيل على الوديان والوهاد في فصول : الصيف ، والربيع ، والخريف .

والجبال مكان أمين حصين ، وملجأ للهارب ، والمعتزل عن الدنيا ، والراغب في التأمل والعبادة ، ولأمر مّا بدأ الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء ، وبدأت الهجرة من غار ثور ، وكانت معركة أحد على جبل أحد ، وناجى الله موسى من فوق جبل الطور ، ومناسك الحج تتم بالسعي بين الصفا والمروة وهما جبلان ، ويقف الحجيج على جبل عرفات يوم التاسع من ذي الحجة ، فالجبال وسيلة للصفا والنقاء ، والتفرغ الروحي ، وقد اهتز الجبل وغاص في الأرض دكا ؛ عندما تجلى الله له .

قال تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } . ( الأعراف : 143 ) .

وفي آخر سورة الحشر نجد عددا من أسماء الله تعالى ، وقبلها مباشرة نجد هذه الآية : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } . ( الحشر : 21 ) .

وقال تعالى : { خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم . . . } . ( لقمان : 10 ) .

وقال عز وجل : { ألم نجعل الأرض مهادا*والجبال أوتادا } . ( النبأ : 7 ، 6 ) .

{ وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون } .

من كمال إعمار الأرض ، أن يسر الله فيها الأنهار والطرق ، فنجد الأنهار تنبع من مكان ، وتسير في مكان ، وتصب في مكان آخر .

فنهر النيل ينبع من إفريقيا ويسير طويلا في بلاد السودان ، ويستفيد منه أهل مصر ، وكذلك الطرق التي يسلكها الناس للرعي والتجارة والسياحة ، وقد تحدث ثلمة في الجبل ؛ لتكون ممرا طريقا قال تعالى : { وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون } . ( الأنبياء : 31 ) .

{ لعلكم تهتدون } . أي : جعل في الأرض طرقا ومسالك ؛ لعلكم تهتدون بتلك الطرق ، إلى المكان الذي تريدون الوصول إليه ، فلا تضلون .

قال تعالى : { والله جعل لكم الأرض بساطا*لتسلكوا منها سبلا فجاجا } . ( نوح : 20 ، 19 ) .