لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَةٗ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (87)

قوله عز وجل : { وأوحينا إلى موسى وأخيه } هارون { أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً } يعني اتخذا لقومكما بمصر بيوتاً للصلاة فيها يقال تبوأ فلان لنفسه بيتاً إذا اتخذه مباءة أي وطناً والمعنى اجعلا بمصر لقومكما بيوتاً ترجعون إليها للصلاة والعبادة { واجعلوا بيوتكم قبلة } اختلف أهل التفسير في معنى هذه البيوت والقبلة فمنهم من قال أراد بالبيوت المساجد التي يصلى فيها وفسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة فعلى هذا يكون معنى الكلام واجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة وقيل معناه اجعلوا بيوتكم إلى القبلة . واختلفوا في هذه القبلة ، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها إلا أنه قد نقل عن ابن عباس أنه قال : كانت الكعبة قبلة لموسى وهارون ، وهو قول مجاهد أيضاً قال ابن عباس : قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم وأن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقيل كانت القبلة إلى جهة المقدس . وقيل : أراد مطلق البيوت وعلى هذا يكون معنى قوله واجعلوا بيوتكم قبلة أي مقابلة يعني يقابل بعضها بعضاً وقيل معناه واجعلوا في بيوتكم قبلة تصلون إليها .

فإن قلت : إنه سبحانه وتعالى خص موسى وهرون بالخطاب في أول الآية بقوله سبحانه وتعالى : وأخيه أن تبوآ لقومكما ثم إنه عم بهذا الخطاب فقال تعالى : واجعلوا بيوتكم قبلة فما السبب فيه .

قلت : إنه سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون بأن يتبوءا قومهما بيوتاً للعبادة وذلك مما يخص به الأنبياء فخصا بالخطاب لذلك .

ثم لما كانت العبادة عامة تجب على الكافة عمَّ بالخطاب الجميع فقال تعالى : واجعلوا بيوتكم قبلة { وأقيموا الصلاة } يعني في بيوتكم وذلك حين خاف موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل من فرعون وقومه إذا صلوا في الكنائس والبيع الجامعة أن يؤذهم فأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يصلوا في بيوتهم خفية من فرعون وقومه ، وقيل : كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في الكنائس الجامعة وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريب تلك الكنائس ومنعهم من الصلاة فيها فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفاً من فرعون .

وقيل : إن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون وأظهرهما على فرعون أمرهم باتخاذ المساجد ظاهرة على رغم الأعداء وتكفل لهم بصونهم من شرهم وهو قوله سبحانه وتعالى : { وبشر المؤمنين } يعني بأنه لا يصل إليهم مكروه .