الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَةٗ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (87)

قوله تعالى : { أَن تَبَوَّءَا } : يجوز في " أَنْ " أن تكون المفسِّرة ؛ لأنه قد تقدَّمها ما هو بمعنى القول وهو الإِيحاء ، ويجوز أن تكونَ المصدريةَ فتكونَ في موضع نصب بأوحينا مفعولاً به أي : أَوْحَيْنا إليهما التبوُّءَ .

والجمهورُ على الهمزة في " تبوَّآ " . وقرأ حفص " تَبَوَّيا " بياءٍ خالصة ، وهي بدلٌ عن الهمزة ، وهو تخفيفٌ غيرُ قياسي ، إذ قياسُ تخفيفِ مثلِ هذه الهمزة أن تكونَ بين الهمزة والألف ، وقد أنكر هذه الروايةَ عن حفص جماعةٌ من القراء ، وقد خَصَّها بعضُهم بحالةِ الوقف ، وهو الذي لم يَحْكِ أبو عمرو الداني والشاطبي غيرَه . وبعضُهم يُطْلق إبدالَها عنه ياءً وصلاً ووقفاً ، وعلى الجملةِ فهي قراءةٌ ضعيفة في العربية وفي الرواية ، وتركتُ نصوصَ أهل القراءة خوفَ السآمة ، واستغناءً بما وضَعْتُه في " شرح القصيد " .

والتبوُّءُ : النزولُ والرجوعُ ، وقد تقدَّم تحقيق المادة في قوله { تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 121 ] .

قوله : { لِقَوْمِكُمَا } يجوزُ أن تكونَ اللامُ زائدةً في المفعول الأول ، و " بيوتاً " مفعولٌ ثان بمعنى بَوِّآ قومكما بيوتاً ، أي : أنْزِلوهم ، وفَعَّل وتفعَّل بمعنىً مثل " عَلَّقَها " و " تَعَلَّقها " قاله أبو البقاء . وفيه ضعفٌ من حيث إنه زِيدت اللام ، والعاملُ غير فرع ، ولم يتقدَّم المعمول . الثاني : أنها غير زائدة ، وفيها حينئذ وجهان ، أحدهما : أنها حالٌ من " البيوت " . والثاني : أنها وما بعدها مفعول " تَبَوَّآ " .

قوله : { بِمِصْرَ } جَوَّز فيه أبو البقاء أوجهاً ، أحدها : أنه متعلِّق ب " تَبَوَّآ " ، وهو الظاهرُ . الثاني : أنه حالٌ من ضمير " تبوَّآء " ، واستضعفه ، ولم يبيِّن وجهَ ضعفهِ لوضوحه . الثالث : أنه حالٌ من " البيوت " . الرابع : أنه حالٌ من " لِقومكما " ، وقد ثنَّى الضميرَ في " تبوَّآ " وجمع في قوله " واجعلوا " و " أقيموا " ، وأفرد في قوله : " وبشِّر " ؛ لأن الأولَ أمرٌ لهما ، والثاني لهما ولقومهما ، والثالث لموسى فقط ؛ لأن أخاه تَبَعٌ له ، ولمَّا كان فِعْلُ البِشارة شريفاً خَصَّ به موسى لأنه هو الأصل .