فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُيُوتٗا وَٱجۡعَلُواْ بُيُوتَكُمۡ قِبۡلَةٗ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (87)

{ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا } قيل هي الإسكندرية وقيل مصر المعروفة لا الإسكندرية وأن هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول أي اتخذوا لقومكما يقال بوأت زيدا مكانا وبوأت لزيد مكانا ، والمبوأ الملزوم ومنه بوأه الله منزلا أي ألزمه إياه وأسكنه فيه ، ومنه حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) {[939]} والتبوء النزول والرجوع واللام أي بوأ قومكما وقيل غير زائدة .

{ واجعلوا بيوتكم قبلة } أي متوجهة على جهة القبلة قال قتادة : ذلك حين منعهم فرعون الصلاة فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم وأن يوجهوها نحو القبلة وعن مجاهد قال : كانوا لا يصلون إلا في البيع حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم وعن ابن عباس نحوه وقيل المراد بالبيوت هنا المساجد وإليه ذهب جماعة من السلف ، وقيل التي يسكنون فيها أمروا بأن يجعلوها مقابلة بعضها بعضا .

والمراد بالقبلة على القول الأول هي جهة بيت المقدس وهو قبلة اليهود إلى اليوم ، وقيل جهة الكعبة وأنها كانت قبلة موسى ومن معه ، قال أبو سنان : إن آدم فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة ، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها وقيل أنهم يجعلون بيوتهم مستقبلة للقبلة ليصلوا فيها سرا لئلا يصيبهم من الكفار معرة بسبب الصلاة .

ومما يؤيد هذا قوله { وأقيموا الصلاة } أي التي أمركم الله بإقامتها فإنه يفيد أن القبلة هي قبلة الصلاة إما في المساجد أو في البيوت لا جعل البيوت متقابلة وقيل أمر الله موسى وهارون وقومهما باتخاذ المساجد على رغم الأعداء وتكفل بأن يصونهم عن شر الأعداء ، ذكره الخطيب ، وإنما جعل الخطاب في أول الكلام مع موسى وهارون ثم جعله لهما ولقومهما في قوله { واجعلوا وأقيموا } ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك فقال { وبشر المؤمنين } أي بالنصر والجنة لأن اختيار المكان مفوض إلى الأنبياء ثم جعل عاما في استقبال القبلة وإقامة الصلاة لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء ثم جعل خاصا بموسى لأنه الأصل في الرسالة وهارون تابع له فكان ذلك تعظيما للبشارة وللمبشر بها .

وقيل عن الخطاب في { وبشر المؤمنين } لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على طريقة الإلتفات والاعتراض والأول أولى .


[939]:مسلم 3 ـ البخاري 94.