قوله سبحانه وتعالى : { وأوحى ربك إلى النحل } ، لما ذكر الله سبحانه وتعالى دلائل قدرته ، وعجائب صنعته الدالة على وحدانيته ، من إخراج اللبن من بين فرث ودم ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، ذكر في هذه الآية : إخراج العسل الذي جعله شفاء للناس من دابة ضعيفة ، وهي : النحلة ، فقال سبحانه وتعالى : { وأوحى ربك إلى النحل } ، الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به : كل فرد من الناس ممن له عقل وتفكر ، يستدل به على كمال قدرة الله ووحدانيته ، وأنه الخالق لجميع الأشياء ، المدبر لها بلطيف حكمته ، وقدرته ، وأصل الوحي : الإشارة السريعة ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز ، والتعريض وقد يكون بصوت مجرد ، ويقال للكلمة الإلهية التي يلقيها الله إلى أنبيائه وحي ، وإلى أوليائه إلهام ، وتسخير الطير لما خلق له ، ومنه قوله تعالى : { وأوحى ربك إلى النحل } ، يعني : أنه سخرها لما خلقها له ، وألهمها رشدها ، وقدر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة ، التي يعجز عنها العقلاء من البشر ، وذلك أن النحل تبني بيوتاً على شكل مسدس ، من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها ، ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربعة ، أو غير ذلك من الأشكال ، لكان فيما بينها خلل ، ولما حصل المقصود ، فألهمها الله سبحانه وتعالى ، أن تبنيها على هذا الشكل المسدس ، الذي لا يحصل فيه خلل وفرجة خالية ضائعة ، وألهمها الله تعالى أيضاً أن تجعل عليها أميراً كبيراً نافذ الحكم فيها ، وهي تطيعه وتمتثل أمره ، ويكون هذا الأمير أكبرها جثة ، وأعظمها خلقة ، ويسمى : يعسوب النحل ، يعني : ملكها ، كذا حكاه الجوهري ، وألهمها الله سبحانه وتعالى أيضاً : أنها تخرج من بيوتها ، فتدور وترعى ثم ترجع إلى بيوتها ، ولا تضل عنها . ولما امتار هذا الحيوان الضعيف بهذه الخواص العجيبة ، الدالة على مزيد الذكاء والفطنة ، دل ذلك على الإلهام الإلهي ، فكان ذلك شبيهاً بالوحي ، فلذلك قال تبارك وتعالى : وأوحى ربك إلى النحل ، والنحل : زنبور العسل ، ويسمى الدبر أيضاً ، قال الزجاج : يجوز أن يقال : سمي هذا الحيوان نحلاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ، نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها ، بمعنى : أعطاهم . وقال غيره : النحل يذكر ويؤنث ، وهي مؤنثة في لغة الحجاز ، وكذا أنثها الله تعالى فقال :{ أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون } ، يعني : يبنون ويثقفون ، وذلك أن النحل منه : وحشي ، وهو : الذي يسكن الجبال والشجر ويأوي إلى الكهوف ، ومنه : أهلي ، وهو : الذي يأوي إلى البيوت ، ويربيه الناس ، وقد جرت العادة أن الناس يبنون للنحل الأماكن حتى تأوي إليها ، وقال ابن زيد : أراد بالذي يعرشون : الكروم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.